من بكر بن وائل، أحد أئمة المسلمين، وأبدال أولياء الله تعالى الصالحين وقد جمع الفقيه أبو القاسم اللّبيديّ [1]، وأبو بكر المالكيّ من أخباره وسيره كثيرا، وكان سلفه من أهل الخطط بالقيروان، وكان من أعلم الناس باختلاف العلماء، عالما بعبارة الرؤيا، ويعرف حظا من اللغة والعربية، حسن القراءة للقرآن يحسن تفسيره، وإعرابه، وناسخه ومنسوخه، لم يترك حظه من دراسة العلم بالليل إلا عند ضعفه قبل موته بقليل، وكان لا يفتي إلا أن يسمع أحدا يتكلم بما لا يجوز فيرد عليه، أو يرى من يخطئ في صلاته، فيرد عليه، وكان أبو الحسن القابسي [2] يقول: الجبنيانيّ إمام يقتدى به، وكان أبو محمد بن أبي زيد يعظم شأنه ويقول: طريق أبي إسحاق خالية لا يسلكها أحد في الوقت، وكان أبو إسحاق قلما [3] يتغير على أحد فيفلح، وكان إذا رئي ذكر الله تعالى من هيبته. قد جف جلده على عظمه، واسود لونه، كثير الصمت، قليل الكلام، فإذا تكلم نطق بالحكمة وكان قلما يترك ثلاث كلمات جامعة للخير، وهي: اتّبع ولا تبتدع، اتضع لا ترتفع، من ورع لم يقع، وكان له من الولد سبعة كلهم خير.
توفي رحمه الله سنة تسع وستين وثلاثمائة [4]، وسنه تسعون سنة، وما وجد له من الدنيا قليل ولا كثير غير أمداد شعير في قلة مكسورة. [1] في الأصل «البيكندي»، والصواب في اللباب 3/ 66، والديباج المذهب 86، وهو: عبد الرحمن أبو القاسم بن محمد الحضرمي المعروف باللبيدي، ولبيدة من قرى الساحل. من مشاهير علماء إفريقية ومؤلفيها. سمع الشيخ أبا إسحاق الجبنياني وانتفع به وألف أخباره وفضائله. توفي بالقيروان سنة 440 هـ (الديباج المذهب 152). [2] بفتح القاف وسكون الألف وكسر الباء بعدها سين مهملة. نسبة الى: قابس، مدينة بإفريقية (اللباب 2/ 234). [3] في الأصل: «كالا» والصواب في: ترتيب المدارك للقاضي عياض، والديباج المذهب. [4] كذا في الأصل، وهو يوافق ما في الديباج المذهب لابن فرحون، وفي ترتيب المدارك، أن وفاته سنة تسع وتسعين وثلاثمائة. وفيه أنه دفن بشرق جبنيانة.