الأدوار التي مرّ بها تحريم الربا:
من المستحسن أن نذكر هنا الأدوار التي مرّ بها تحريم الربا؛ حتى ندركَ سِر التشريع الإسلامي في معالجته للأمراض الاجتماعية. فمن المعلوم أن التشريع الإسلامي صار بسنة التدرج في تقرير الأحكام.
ولقد مر تحريم الربا بأربعة أدوار، كما حدث في تحريم الخمر، وذلك تمشيًا مع قاعدة التدرج:
الدور الأول: نزل قوله تعالى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} (الروم: 39) وهذه الآية الكريمة نزلت في مكةَ، وهي -كما يظهر- ليس فيها ما يُشير إلى تحريم الربا، وإنما فيها إشارة إلى بغض الله للربا، وأن الربا ليس له ثواب عند الله.
الدور الثاني: نزل قوله تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (النساء: 160، 161) وهذه الآية مدنية، وهي درس قصّه الله -سبحانه وتعالى- علينا من سيرة اليهود، الذين حرّم الله عليهم الربا فأكلوه، واستحقوا عليه اللعنة والغضب، وهو تحريم بالتلويح لا بالتصريح؛ لأنه حكاية عن جرائم اليهود، وليس فيه ما يدل دلالة قطعية على أن الربا محرّم على المسلمين، وهذا نظير الدور الثاني في تحريم الخمر من قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} (البقرة: 219) حيث كان التحريم فيه بالتلويح لا بالتصريح.
الدور الثالث: نزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} (آل عمران: 130) هذه الآية مدنية، وفيها تحريم للربا صريح، لكنه