والقرآن -كما طلب السعي في تحصيل الأموال، وطلب الاعتدال في صرفها- نَهَى عن تحصيلها بالطرق التي لا خيرَ للناس فيها، وفيها الشر والفساد، ونهى عن تحصيلها بطريق الربا الذي يؤخَذ استغلالًَا لحاجة الضعيف المحتاج، ونهى عن تحصيلها أيضًا بطريق السرقة، والانتهاب، والتسول، الذي يزعزع الأمن والاستقرار، وأمر بتحصيلها بطريق التجارة الحلال، ونهى عن تحصيلها بطريق التجارة فيما يفسد العقل والصحة؛ كالخمر والخنزير، ونهى عن تحصيلها بطريق الميسر، والرقص، وبيع الأعراض، من كل ما يفسد الأخلاق ويعبث بالإنسانية، ونهى عن تحصيلها بطريق الرِّشوة؛ التي تذهب بالحقوق والكفايات، وفي هذا وأمثاله يقول القرآن الكريم: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (البقرة: 188).
وعناية الله بالأموال شِرْعة قديمة، لم يخص بها جيلًا دون جيلٍ، ولا رسالةً دون رسالةٍ، وقد قصّ علينا القرآن الكريم أنّ الله عاقب بعضَ خلقه، الذين عتوا عن أمره في الأرض، وأكلوا أموال الناس بالباطل، قال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ} (النساء: 160، 161).
الاستغلال الاقتصادي لجماعة المسلمين
والإسلام حينما طلب تحصيل الأموال بالزراعة والصناعة والتجارة نظر إلى أنّ حاجة المجتمع المادية تتوقف عليها كلها، فإنه كما يحتاج إلى الزراعة في الحصول على المواد الغذائية التي تنبتها الأرض، يحتاج إلى الصناعات المختلفة في شئونها المتعددة؛ في ملابسه، وفي آلات الزراعة، وتنظيم الطرق، في حفر الأنهار، ومد السكك الحديدية، في حفظ كِيان الدولة، وما إلى ذلك مما لا سبيلَ إليه إلّا