أول الآيات في تشريع القتال:
اختلف السّلف في أول آية نزلت في القتال، فرُوي عن الربيع بن أنس وغيره، أنّ أول آية نزلت هي قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} (البقرة: 190) نزلت بالمدينة، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقاتل مَن قاتله، ويكفّ عمن كفّ عنه، وروي عن جماعة من الصحابة منهم أبو بكر الصديق، وابن عباس، وسعيد بن جُبَيْر: أنّ أول آية نزلت في القتال هي قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير} (الحج: 39).
قال أبو بكر بن العربي: "والصحيح أن أول آية نزلت آية الحج، قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ ...... } إلى آخر الآية، ثم نزل قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} فكان القتال إذنًا، ثم أصبح بعد ذلك فرضًا؛ لأن آية الإذن في القتال مكيّة، وهذه آية مدنية متأخرة.
حالات مشروعية الجهاد، وبيان أن الجهاد وسيلة لدفع العدوان
متى يشرُع الجهاد في الإسلام:
إنّ الإسلام هو دين السلام، يرغّب في السلام ويؤثره على الحرب، فإنه لا يقدم على الحرب مع وجود وسيلة لحلّ المشكلة أو القضية، فإذا لم يكن بدٌّ من الحرب للإبقاء على العقيدة، أو على الحياة، فالحرب شرّ لا مندوحة عنه، وقد دعا الإسلام إلى السلام فلم يستجب خصومه، وأبوا إلّا الحربَ، وصبر المسلمون على أذاهم، فلم يزدادوا -المشركون- إلا عتوًّا وفسادًا في الأرض، فلم يكن بدٌّ من حربهم؛ لأن الإسلام يدعو أتباعَه إلى القُوة؛ مادية ونفسية؛ ليحموا أنفسهم ودينهم، كما يدعوهم إلى المسالمة والأناة.