وحده الرب، صاحب كل صفات التأثير والكمال، وأنه لذلك هو وحده الإله المستحقّ للعبادة والطاعة بلا شريك، فإذا أقر العبد بأحدهما فقط لم يكن موحدًا، وإنما يقال: هو مقر أو معترف بأحدهما، ولكن لا يصح أن يسمى موحدًا؛ لأن التوحيد هو مجموع الأمرين معًا.
ولهذا لم يُطلق القرآن على الكفار أنهم موحدون توحيد الربوبية، حين أقروا أن الله تعالى هو الخالق المالك الرازق، وإنما سماهم كفارًا مشركين. قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ} (يونس: 31). ثم يقول تعالى بعد هذه الآية: {كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} (يونس: 33، 34).
لقد سماهم القرآن كفارًا مشركين؛ لأنهم لم يأتوا بحقيقة التوحيد الجامعة، وإنما أقروا بوصف منها، والتوحيد لا يقبل التجزئة أصلًا، فمن أشرك في وصف فقد أشرك في الكل؛ لأنه لم يأت بحقيقة مسمى التوحيد الشرعي الجامعة، ولذلك يقول سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (النساء: 48).
وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.