قال ابن جرير: حدثني المثنى، حدثنا الحجاج، حدثنا حماد عن خالد عن كذا عن كذا سمعت عليًّا -رضي الله عنه-. كل هذا يدل على أن الروايات نقلوها عن الصحابة والتابعين كذبًا، يقول علي: كانت الزهراء امرأة جميلة من أهل فارس، وأنها خاصمت إلى الملكين هاروت وماروت، فراوداها عن نفسها، فأبت عليهما، إلا أن يعلماها الكلام الذي إذا تكلم به أحد يعرج به إلى السماء، فعلماها فتكلمت به فعرجت إلى السماء، فَمُسخت كوكبًا، وما هذا الكوكب الذي زعموا إلا في مكانه من يوم أن خلق الله السموات والأرض، وأن السماء لما خلقت خُلِقَ فيها كواكب ونجوم وسيارة هي: زحل والمشترى وعطارد والزهرة والشمس والقمر وغيرها: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (يس: 40) فالزهرة موجودة من قبل خلق آدم، وأقسم الله بها في قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِي الْكُنَّسِ} (التكوير: 15، 16).
ومما يدل على كذب هذه الروايات أيضًا أنها مختلفة، وبينها اضطراب وتعارض وروايات متناقضة، هذه روايات أخرى جاءت في بعض الروايات قال كعب: والذي نفس كعب بيده ما استكملا يومهما الذي نزلَا فيه حتى أتيا ما حرما الله عليهما. وجاء في رواية أخرى عن كعب الأحبار: فأنزلهما إلى الأرض، فركب فيهما الشهوة، فما مر بها شهر حتى فتنا بامرأة اسمها بالنبطية "بيدخت" وبالفارسية "ناصيل" وبالعربية "الزهرة" الأثر انظر إليه، التعارض واضح وظاهر، وليس فيها رواية أصح من الأخرى.
أيضًا يقول: إن نزول الملكين هاروت وماروت كان بعد زمن سليمان، كما هو ظاهر الآية، وظاهر كلام الإمام النسفي، وجاء في بعض الروايات عن الربيع بن أنس أنهم كانوا في زمن إدريس -عليه السلام- وما جاء أنهما قصدا إلى إدريس -عليه السلام- فأخبراه بأمرهما، وسألاه أن يشفع لهما إلى الله -تعالى- ومن المعلوم أنه بين إدريس وسليمان زمن طويل.