نام کتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم نویسنده : أبو السعود جلد : 7 صفحه : 20
القصص 58 60 وأنَّهم أحقَّاءُ بأنْ يخافوا بأسَ الله تعالى بقوله
{وَمَا أُوتِيتُم مّن شَىْء} من أمور الدُّنيا {فمتاع الحياة الدنيا وَزِينَتَهَا} أي فهو شئ شأنه أنْ يتمتَّعَ ويتزينَ به أياماً قلائل {وَمَا عِندَ الله} وهو الثَّوابُ {خَيْرٌ} في نفسِه من ذلك لأنَّه لذَّةٌ خالصةٌ عن شوائبِ الألم وبهجةٌ كاملة عارية عن سِمةِ الهمِّ {وأبقى} لأنَّه أبديّ {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} ألا تتفكرونَ فلا تعقِلون هذا الأمرَ الواضحَ فتستبدلون الذي هُوَ أدنى بالذي هو خيرٌ وقرئ بالياء على الالنفات المبنيِّ على اقتضاء سوء صنيعهم الإعراضَ عن مخاطبتِهم
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} أي وكثيرٌ من أهلِ قريةٍ كانت حالُهم كحالِ هؤلاءِ في الأمنِ وخفضِ العيشِ والدَّعةِ حتَّى أشِرُوا فدمَّرنا عليهم وخرَّبنا ديارَهم {فَتِلْكَ مساكنهم} خاويةٌ بما ظلمُوا {لَمْ تُسْكَن مّن بَعْدِهِمْ} من بعدِ تدميرِهم {إِلاَّ قَلِيلاً} أي إلا زماناً قليلاً إذْ لا يسكنُها إلا المارَّةُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ أولم يبقَ من يسكنُها إلا قليلاً من شؤمِ معاصيِهم {وَكُنَّا نَحْنُ الوارثين} منهم إذ لم يخلفهم أحدٌ يتصرَّفُ تصرَّفَهم في ديارِهم وسائرِ ذاتِ أيديهم وانتصابُ معيشتَها بنزعِ الخافضِ أو يجعلها ظرفاً بنفسِها كقولِك زيدٌ ظنِّي مقيمٌ أو بإضمارِ زمانٍ مضافٍ إليه أو يجعله مفعولاً لبطرتْ بتضمينِ معنى كفرتْ
{وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ القرى} بيانٌ للعنايةِ الربَّانيةِ إثرَ بيانِ إهلاكِ القُرى المذكورةِ أي وما صحَّ وما استقامَ بل استحال في سنَّته المبنيةِ على الحكمِ البالغةِ أو ما كان في حكمِه الماضِي وقضائِه السَّابق أنْ يُهلكَ القرى قبلَ الإنذارِ بل كانتْ عادتُه أنْ لا يهلكَها {حتى يَبْعَثَ فِى أُمّهَا} أي في أصلِها وقُصبتِها التي هي أعمالُها وتوابعُها لكون أهلِها أفطنَ وأنبلَ {رسولا يتلو عليهم آياتنا} الناطقةَ بالحقِّ ويدعُوهم إليه بالتَّرغيبِ والتَّرهيبِ وذلك لإلزام الحجَّة وقطع المعذرةِ بأنْ يقولوا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فنتبعَ آياتِك والالتفاتُ إلى نونِ العظمةِ لتربيةِ المهابة وإدخال الروعة وقوله تعالى {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِى القرى} عطفٌ على ما كانَ ربُّك وقولُه تعالى {إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظالمون} استثناءٌ مفرغ من أعم الأحوال أي وما كنَّا مهلكينَ لأهلِ القُرى بعد ما بعثنا في أمِّها رسولاً يدعُوهم إلى الحقِّ ويُرشدهم إليه في حالٍ من الأحوالِ إلا حال كونهم ظالمينَ بتكذيبِ رسولِنا والكفرِ بآياتِنا فالبعثُ غايةٌ لعدمِ صحَّة الإهلاكِ بموجبِ السنَّة الإلهية لا لعدمِ وقوعِه حتَّى يلزمَ تحققُ الإهلاكِ عقيبَ البعثِ وقد مرَّ تحقيقُه في سورةِ بني إسرائيلَ
نام کتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم نویسنده : أبو السعود جلد : 7 صفحه : 20