نام کتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم نویسنده : أبو السعود جلد : 6 صفحه : 283
سورة النمل (29 31) {إليهم} استئناف مبين لكيفية النَّظر الذي وعدَه عليه الصَّلاة والسَّلام وقد قالَه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بعد ما كتبَ كتابَه في ذلكَ المجلسِ أو بعدَهُ وتخصيصُه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إيَّاه بالرِّسالةِ دونَ سائرِ ما تحتَ مُلكِه من أمناءِ الجنِّ الأقوياءِ على التصرف والتعرُّفِ لما عاينَ فيه من مخايل العلمِ والحكمةِ وصحَّةِ الفراسةِ ولئلاَّ يبقى له عذرٌ أصلاً {ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ} أي تنحَّ إلى مكانٍ قريبٍ تَتَوارى فيه {فانظر} أي تأمَّلَ وتعرَّفْ {مَاذَا يَرْجِعُونَ} أي ماذا يرجعُ بعضُهم إلى بعضٍ من القول وجمعُ الضمائرِ لما أنَّ مضمونَ الكتابِ الكريمِ دعوةُ الكُلِّ إلى الإسلام
{قَالَتْ} أي بعدَ ما ذهبَ الهدهدُ بالكتابِ فألقاهُ إليهم وتنحَّى عنهم حسبما أُمر به وإنَّما طُوي ذكرُه إيذاناً بكمالِ مسارعتِه إلى إقامةِ ما أُمر بهِ من الخدمة وإشعاراً باستغنائه عن التَّصريحِ به لغايةِ ظهورِه روُي أنَّه عليه الصلاةُ والسَّلام كتب كتابَه وطبعه بالمسكِ وختَمه بخاتمِه ودفعَه إلى الهدهدِ فوجدَها الهدهدُ راقدةً في قصرِها بمأربَ وكانتْ إذا رقدتْ غلَّقتِ الأبوابِ ووضعتِ المفاتيحَ تحتَ رأسِها فدخلَ من كُوَّةٍ وطرحَ الكتابَ على نحوها وهي مستقلية وقيل نقرَها فانتبهتْ فَزِعةً وقيل أتاها والقادةُ والجنودُ حواليَها فرفرفَ ساعةً والنَّاسُ ينظرونَ حتَّى رفعتْ رأسَها فألقى الكتاب على حجرِها وكانت قارئةً كاتبةً عربيةً من نسلٍ تُبَّع الحميريِّ كَما مَرَّ فلما رأتِ الخاتمَ ارتعدتْ وخضعتْ فعندَ ذلكَ قالتْ لأشرافِ قومها {يا أيها الملا إِنّى أُلْقِىَ إِلَىَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ} وصفتْه بالكرمِ لكرمِ مضمونِه أو لكونِه من عندَ ملكٍ كريمٍ أو لكونِه مختوماً أو لغرابةِ شأنِه ووصولِه إليها على منهاجٍ غيرِ معتادٍ
{إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ} استئنافٌ وقعَ جواباً لسؤالٍ مقدرٍ كأنَّه قيل ممن هُو وماذا مضمونُه فقالتْ إنَّه منْ سُليمان {وَأَنَّهُ} أي مضمونُه أو المكتوبُ فيه {بسم الله الرحمن الرحيم} وفيه إشارةٌ إلى سببِ وصفها إياه بالكرم وقرئ أنَّه وأنَّه بالفتحِ على حذفِ اللامِ كأنها عللتْ كرمَه بكونِه من سليمانَ وبكونِه مُصدَّراً باسمِ الله تعالى وقيل على أنَّه بدل من كتاب وقرئ أنْ من سُليمان وأنْ بسم الله الرحمن الرحيم على أنْ المفسرةُ
{أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَىَّ} أنْ مفسرةٌ ولا ناهيةٌ أي لا تتكبروا كما يفعلُ جبابرةُ الملوكِ وقيل مصدريةٌ ناصة للفعلِ ولا نافيةٌ محلُّها الرفع على أنها من كتابٌ أو خبرٌ لمبتدأٍ مضمرٍ يليقُ بالمقام أي مضمونُه أنْ لا تعلُوا أو النَّصبُ بإسقاطِ الخافضِ أي بأنْ لا تعلوا علي وقرئ أن لا تغلُوا بالغينِ المعجمةِ أي لا تجاوزُوا حدَّكم {وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ} أي مؤمنينَ وقيل منقادينَ والأولُ هو الأليقُ بشأن النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم على أنَّ الإيمانَ مستتبعٌ للانقياد حتماً روي أنَّ نسخةَ الكتابِ من عبدِ الله سليمان بنِ داودَ إلى بلقيسَ ملكةِ سبأً السَّلامُ على من اتبعَ الهُدَى أمَّا بعدُ فلا تعلُوا عليَّ وأتوني مسلمينَ وليسَ الأمرُ فيه بالإسلامِ قبل إقامةِ الحجَّة على رسالتِه حتَّى يُتوهم كونه استدعاء للتقليدِ فإنَّ إلقاء الكتابِ إليها على تلك الحالةِ معجزةٌ باهرةٌ دالَّةٌ على رسالةِ مُرسِلها دلالةً بينةً
نام کتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم نویسنده : أبو السعود جلد : 6 صفحه : 283