نام کتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم نویسنده : أبو السعود جلد : 6 صفحه : 28
طه 70 وعصيهم وألق العويدالذي في يدك فإنه بقدرة الله تعالى يلقَفها مع وَحدته وكثرتها وصِغره وعِظَمها يأباه ظهورُ حالها فيما مر مرتين على أن ذلك المعنى إنما يليقُ بما لو فعلتْ العصا ما فعلتْ وهي على هيئتها الأصليةِ وقد كان منها ما كان وقوله تعالى {تَلْقَفْ مَا صَنَعُواْ} بالجزم جواباً للأمر من لقِفه إذا ابتلعه والتقمه بسرعة والتأنيثُ لكون ما عبارةً عن العصا أي تبتلع ما صنعوه من الحبال والعِصِيّ التي خُيّل إليك سعيُها وخِفّتُها والتعبيرُ عنها بما صنعوا للتحقير والإيذان بالتمويه والتزوير وقرئ تَلَقّف بتشديد القاف وإسقاطِ إحدى التاءين من تتلقف وقرئ بالرفع على الحال اوالاستئناف والجملةُ الأمرية معطوفةٌ على النهي متمّمةٌ بما في حيزها لتعليل موجبِه ببيان كيفية غلبتِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وعلوِّه فإن ابتلاعَ عصاه لأباطيلهم التي منها أوجسَ في نفسه ما أوجس مما يقلَع مادّته بالكلية وهذا كما ترى صريحٌ في أن خوفه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ لم يكن مما ذكر من مخالجة الشكِّ للناس وعدمِ اتّباعِهم له عليه الصلاة والسلام وإلا لعُلّل بما يُزيله من الوعد بما يوجب إيمانهم واتباعهم له عليه الصلاة والسلام وقوله تعالى {إنما صَنَعُواْ} الخ تعليلٌ لقوله تعالى تَلْقَفْ مَا صَنَعُواْ وما إما موصولةٌ أو موصوفةٌ أي إن الذي صنعوه أو إن شيئاً صنعوه {كَيْدُ سَاحِرٍ} بالرفع على أنه خبرُ لن أي كيدُ جنسِ الساحر وتنكيرُه للتوسل به إلى تنكير ما أضيف إيه للتحقير وقرئ بالنصب على أنه مفعولٌ صنعوا وما كافة وقرئ كيدُ سحرٍ على أن الإضافةَ للبيان كما في علمُ فقةٍ أو على معنى ذي سحر أو على تسمية الساحر سحراً مبالغةً وقوله تعالى {وَلاَ يُفْلِحُ الساحر} أي هذا الجنسُ {حَيْثُ أتى} أي حيث كان وأين أقبل من تمام التعليل وعدمُ التعرض لشأن العصا وكونِها معجزةً إلهية مع ما في ذلك من تقوية التعليلِ للإيذان بظهور أمرِها والفاء في قوله تعالى
{فَأُلْقِىَ السحرة سُجَّداً} كما سلف فصيحةٌ معربةٌ عن محذوفين ينساق إيهما النظمُ الكريم غنيّين عن التصريح بهما لعدم احتمال تردّدِ موسى عليه السلام في الامتثال بالأمر واستحالةِ عدمِ وقوعِ اللقْف الموعود أي فألقاه عليه السلام فوقع ما وقع من اللقف فألقى السحرةُ سجّداً لما تيقنوا أن ذلك ليس من باب السحر وإنما هي آيةٌ من آياتِ الله عز وجل روي أن رئيسَهم قال كنا نغلِب الناسَ وكانت الآلاتُ تبقى علينا فلو كان هذا سحراً فأين ما ألقَيناه من الآلاتِ فاستَدلّ بتغير أحوال الأجسامِ على الصانع القادرِ العالِم وبظهور ذلك على يد موسى عليه الصلاة والسلام على صحة رسالتِه لا جرم ألقاهم ما شاهدوه على وجوههم وتابوا وآمنوا وأتَوا بما هو غايةُ الخضوعِ قيل لم يرفعوا رءوسهم حتى رأَوا الجنةَ والنارَ والثوابَ والعقاب وعن عِكرمة لما خرّوا سجداً أراهم الله تعالى في سجودهم منازلَهم في الجنة ولا ينافيه قولهم إِنَّا امَنَّا بربنا يغفر لَنَا خطايانا الخ لأن كونَ تلك المنازلِ منازلَهم باعتبار صدورُ هذا القول عنهم {قَالُواْ} استئنافٌ كما مر غيرَ مرة {امَنَّا بِرَبّ هارون وموسى} تأخيرُ موسى عند حكاية كلامِهم لرعاية الفواصل وقد جُوّز أن يكون ترتيبُ كلامهم أيضاً هكذا إما لِكبَر سن هارون عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وَأَمَّا للمبالغة في الاحتراز عن التوهم الباطلِ من جهة فرعونَ وقومِه حيث كان فرعون ربي موسى عليه الصلاة والسلام فلو قدموا موسى عليه الصلاة والسلام لربما توهم اللعينُ وقومُه من أول الأمر
نام کتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم نویسنده : أبو السعود جلد : 6 صفحه : 28