نام کتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم نویسنده : أبو السعود جلد : 6 صفحه : 234
سورة الشعراء (5 7)
والتَّشويقِ إلى المؤخَّرِ {فَظَلَّتْ أعناقهم لَهَا خاضعين} أي مُنقادين وأصلُه فظلوا لها خاضعين فأقتحمت الأعناقُ لزيادةِ التَّقريرِ ببيانِ موضعِ الخضوعِ وتُرك الخبرُ على حالِه وقيل لمَّا وُصفت الأعناقُ بصفاتِ العُقلاء أُجريتْ مجراهم في الصِّيغةِ أيضاً كَما في قولِه تعالى رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ وقيل أُريد بها الرُّؤساءُ والجماعاتُ من قولِهم جاءنا عنقٌ من النَّاسِ أي فوجٌ منهم وقُرىء خاضعةً وقولُه تعالى فظلَّتْ عطفٌ على تنزل باعتبارِ محلِّه وقولُه تعالَى
{وَمَا يَأْتِيهِمْ مّن ذِكْرٍ من الرحمن محدث إلا كَانُواْ عَنْهُ مُعْرِضِينَ} بيانٌ لشدَّةِ شكيمتهم وعدمِ ارعوائهم عمَّا كانوا عليه من الكُفر والتَّكذيبِ بغير ما ذُكر من الآيةِ المُلجئةِ لصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحرصِ على إسلامِهم وقطعِ رجائِه عنه ومِن الأولى مزيدة لتأكيد العموم والثَّانيةُ لابتداء الغايةِ مجازاً متعلقةٌ بيأتيهم أو بمحذوف هو صفة الذكر وأياما كان ففيه دلالة على فضله وشرفه وشاعة ما فعلوا به والتعرض لعنُوان الرَّحمةِ لتغليظِ شناعتِهم وتهويلِ جنايتِهم فإنَّ الإعراضَ عمَّا يأتيهم من جنابِه عزَّ وجلَّ على الإطلاقِ شنيع قبيحٌ وعما يأتيهم بموجبِ رحمته تعالى المحض منفعتِهم أشنعُ وأقبحُ أي ما يأتيهم من موعظةٍ من المواعظ القرآنية أومن طائفة نازلة من القرآن تذكِّرهم أكملَ تذكيرٍ وتنبِّههم عن الغفلة أتم تنبيه كأنَّها نفسُ الذِّكرِ من جهتهِ تعالى بمقتضى رحمتِه الواسعةِ مجدد تنزيله حسبما تقتضيه الحكْمةُ والمصلحة إلا جدَّدوا إعراضاً عنه على وجه التكذيبِ والاستهزاء وإصرار أعلى ما كانوا عليه من الكفرِ والضَّلالِ والاستثناءُ مفرَّغٌ من أعمِّ الأحوالِ محلُّه النصبُ على الحالية من مفعول يأتيهم بإضمار قد أو بدونه على الخلاف المشهورِ أي مَا يَأْتِيهِمْ من ذِكْرٍ في حالٍ من الأحوالِ إلا حال كونهم مُعرضين عنه
{فَقَدْ كَذَّبُواْ} أي كذَّبوا بالذِّكرِ الذي يأتيهم تكذيباً صَريحاً مُقارناً للاستهزاءِ به ولم يكتفُوا بالإعراضِ عنه حيثُ جعلُوه تارة سحراً وأُخرى أساطيرَ وأُخرى شعراً والفاء في قوله تعالى {فَسَيَأْتِيهِمْ} لترتيبِ ما بعدها على ما قبلَها والسِّينُ لتأكيد مضمونِ الجملة وتقريرهِ أي فسيأتيهم البتةَ من غير تخلّفٍ أصلاً {أَنْبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يستهزؤون} عدلَ عمَّا يقتضيه سائرُ ما سلف من الإعراض والتَّكذيبِ للإيذان بأنَّهما كانا مقارنين للاستهزاءِ كما أشير إليه حسبما وقع في قوله تعالى وما تأتيهم من آيةٍ من آيات رَبّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ فَقَدْ كَذَّبُواْ بالحق لَمَّا جَاءهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يستهزؤن وأنباؤُه ما سيحيقُ بهم من العُقوبات العاجلةِ والآجلةِ عبر عنها بذاك إما لكونها مما نبأ أبها القُرآنُ الكريمُ وإمَّا لأنَّهم بمشاهدتِها يقفُون على حقيقةِ حالِ القُرآنِ كما يقفُون على الأحوالِ الخافيةِ عنهم باستماعِ الأنباءِ وفيه تهويلٌ له لأنَّ النَّبأَ لا يُطلق إلا على خبرٍ خطيرٍ له وقعٌ عظيمٌ أي فسيأتيهم لا محالةَ مصداق ما كانوا يستهزءون به قَبلُ مِنْ غير أنْ يتدَّبروا في أحوالِه ويقفوا عليها
{أَوَ لَمْ يَرَوْاْ} الهمزةُ للإنكار التوبيخي
نام کتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم نویسنده : أبو السعود جلد : 6 صفحه : 234