نام کتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم نویسنده : أبو السعود جلد : 6 صفحه : 225
سورة الفرقان (51 53)
والأنواء أمارات لجعله تعالى
{وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِى كُلّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً} نبيَّاً ينذر أهلها فيخف عليك أعباءَ النبوةِ لكن لم نشأْ ذلك فلم نفعلْه بل قصرنا الأمرَ عليك حسبما ينطِق به قوله تعالى لِيَكُونَ للعالمين نَذِيراً إجلالاً لك وتعظيماً وتفضيلاً لك على سائر الرُّسلِ
{فَلاَ تُطِعِ الكافرين} أي فقابل ذلك بالثَّباتِ والاجتهاد في الدَّعوةِ وإظهار الحقِّ والتَّشددِ معهم كأنَّه نهيٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن المُداراة معهم والتَّلطفِ في الدَّعوةِ لما أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يودُّ أنْ يدخُلوا في الإسلام ويجتهدُ في ذلك بتأليفِ قلوبهم أشدَّ الاجتهاد {وجاهدهم بِهِ} أي بالقُرآن بتلاوةِ ما في تضاعيفِه من القوارع والزَّواجرِ والمَواعظِ وتذكير أحوال الأممِ المكذِّبةِ {جِهَاداً كَبيراً} فإنَّ دعوةَ كلِّ العالمينَ على الوجهِ المذكورِ جهادٌ كبيرٌ لا يُقادرُ قدرُه كمًّا وكيفاً وقيل الضَّميرُ المجرورُ لتِركِ الطَّاعةِ المفهوم من النَّهي عن الطَّاعةِ وأنتَ خبيرٌ بأنَّ مجرَّد تركِ الطَّاعةِ يتحقَّقُ بلا دعوةٍ أصلاً وليس فيه شائبةُ الجهاد فضلان عن الجهاد الكبيرِ اللهمَّ إلاَّ أنْ تجعلَ الباء للملابسةِ ليكون المعنى وجاهِدْهم بما ذُكر من أحكامِ القُرآن الكريم ملابَساً بتركِ طاعتِهم كأنَّه قيل فجاهدْهم بالشِّدَّةِ والعُنفِ لا بالمُلاءمةِ والمُداراةِ كما في قوله تعالى يأيها النبى جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عَلَيْهِمْ وقد جُعل الضميرُ لما دلَّ عليه قولُه تعالى ولو شئنا لَبَعَثْنَا فِى كُلّ قَرْيَةٍ نذيرا من كونه صلى الله عليه وسلم نذيرَ كافَّةِ القُرى لأنَّه لو بُعث في كلِّ قرية نذير لوجبَ على كلِّ نذير مجاهدةُ قريتِه فاجتمعتْ على رسُولِ الله صَلَّى الله عليه وسلم تلك المجاهداتُ كلُّها فكبُر من أجلِ ذلك جهادُه وعظم فقيل له صلى الله عليه وسلم وجاهدْهم بسببِ كونِك نذيرَ كافَّةِ القُرى جهاداً كبيراً جامعاً لكلِّ مُجاهدةٍ وأنت خبيرٌ بأنَّ بيانَ سبب كِبَرِ المُجاهدةِ بحسب الكميَّةِ ليس فيه مزيد فإنَّه بيِّنٌ بنفسِه وإنَّما اللائقُ بالمقامِ بيانُ سببِ كبرِها وعظمِها في الكيفيَّةِ
{وَهُوَ الذى مَرَجَ البحرين} أي خلاَّهما متجاورينِ مُتلاصقين بحيثُ لا يتمازجانِ من مَرَجَ دابَّته إذا خلاَّها {هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ} قامعٌ للعطشِ لغايةِ عذوبتِه {وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ} بليغُ المُلوحةِ وقُرىء مَلْحٌ فلعلَّه تخفيفُ مالحٍ كبَرْدٍ في باردٍ {وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً} حاجزاً غيرَ مرئيَ من قُدرتِه كما في قوله تعالى بغير عمد وترونها {وَحِجْراً مَّحْجُوراً} وتنافراً مُفرِطاً كأن كلامهما يتعوَّذُ من الآخرِ بتلك المقالِة وقيل حَدَّاً محدُوداً وذلك كدجلةَ تدخلُ البحرَ وتشقُّه وتجري في خلالِه فراسخَ لا يتغيَّرُ طعمُها وقيل المرادُ بالبحرِ العذبِ اله العظيمُ وبالمالحِ البحرُ الكبيرُ وبالبرزخ ما بينهما من الأرضِ فيكون أثرُ القُدرة في الفصلِ واختلافِ الصِّفةِ مع أنَّ مُقتضى طبيعةِ كلِّ عُنصرٍ التَّضامُّ والتَّلاصقُ والتشابه في الكيفية
نام کتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم نویسنده : أبو السعود جلد : 6 صفحه : 225