نام کتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم نویسنده : أبو السعود جلد : 6 صفحه : 20
طه 50 51 أرسلكما وتخصيصُ النداء بموسى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ مع توجيه الخطابِ إليهما لما أنه الأصلُ في الرسالة وهارونُ وزيرُه وأما ما قيل من أن ذلك لأنه قد عرف أن له عليه الصلاة والسلام رُتّةً فأراد أن يُفحِمه فيردُّه ما شاهده منه عليه الصلاة والسلام من حسن البيانِ القاطعِ لذلك الطمع الفارع وأما قوله وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ فمن غلوّه في الخُبث والدعارة كما مر
{قَالَ فَمَا بَالُ القرون الاولى} لما شاهر اللعين مانظمه عليه الصلاة والسلام في سلك الاستدلالِ من البرهان النيّر على الطراز الرائِع خاف أن يُظهر للناس حقية مقالاته عليه الصلاة والسلام وبُطلانَ خرافات نفسِه ظهوراً بيّناً فأراد أن يصرِفه عليه الصلاة والسلام عن سننه إلى مالا يعنيه من الأمور التي لا تعلُّقَ لها بالرسالة من الحكايات ويشغَلَه عما هو بصدده عسى يظهر فيه نوعُ غفلةٍ فيتسلق بذلك إلى أن يدّعيَ بين يدي قومه نوعَ معرفة فقال ما حالُ القرونِ الماضية والأممِ الخالية وماذا جرى عليهم من الحوادث المفصلة فأجاب عليه الصلاة والسلام بأن العلمَ بأحوالهم مفصّلةً مما لا ملابسة له بمنصِب الرسالة وإنما علمُها عند اللَّهُ عزَّ وجلَّ وأما ما قيل من أنه سأله عن حال مَنْ خلا من القرون وعن شقاء من شقيَ منهم وسعادةِ من سعِد فيأباه
{قَالَ} أي موسى عليه الصلاة والسلام مجيباً له {رَبَّنَا} إما مبتدأٌ وقوله تعالى {الذى أعطى كل شىء خلقه} خبرُه أو هو خبرٌ لمبتدأ محذوفٍ والموصولُ صفتُه وأياً ما كان فلم يريدا بضمير المتكلم أنفسَهما فقط حسبما أراد اللعينُ بل جميعَ المخلوقاتِ تحقيقاً للحق ورداً عليه كما يُفصح عنه مَا في حيزِ الصلةِ أي هو ربُّنا الذي أعطى كل شئ من الأشياء خلقَه أي صورتَه وشكلَه اللائقَ بما نيط به من الخواصّ والمنافِع أو أعطى مخلوقاتِه كل شئ تحتاج هي إليه وترتفق به وتقديمُ المفعول الثاني للاهتمام به أو أعطى كلَّ حيوان نظيرَه في الخلق والصورة حيث زوّج الحصان بالفرس والبعيرَ بالناقة والرجلَ بالمرأة ولم يزوِّج شيئاً من ذلك بخلاف جنسه وقرئ خَلَقه على صيغة الماضي على أن الجملة صفةٌ للمضاف أو المضافِ إليه وحَذفُ المفعولِ الثاني إما للاقتصار على الأول أي كلَّ شيء خلقه الله تعالى لم يحرِمْه من عطائه وإنعامِه أو للاختصار من كونه منوياً مدلولاً عليه بقرينة الحالِ أي أعطى كل شىء خلقه الله تعالى ما يحتاج إليه {ثُمَّ هدى} أي إلى طريق الانتفاع والاتفاق بما أعطاه وعرّفه كيف يَتوصّل إلى بقائه وكماله إما اختياراً كما في الحيوانات ولمّا كان الخلقُ الذي هو عبارةٌ عن تركيب الأجزاءِ وتسويةِ الأجسام متقدماً على الهدايةِ التي هي عبارةٌ عن إيداع القُوى المحرِّكةِ والمدْرِكة في تلك الأجسامِ وُسِّط بينهما كلمةُ التراخي ولقد ساق عليه الصلاة والسلام جوابَه على نمط رائقٍ وأسلوب لائقٍ حيث بين أنه تعالى عالمٌ قادرٌ بالذات خالقٌ لجميع الأشياء مُنعِمٌ عليها بجميع ما يليق بها بطريق التفضلِ وضمّنه أن إرسالَه تعالى إلى الطاغية من جملة هداياته تعالى إياه بعد أن هداه إلى الحق بالهدايات التكوينيةِ حيث ركّب فيه العقلَ وسائرَ المشاعرِ والآلاتِ الظاهرةِ والباطنة
نام کتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم نویسنده : أبو السعود جلد : 6 صفحه : 20