نام کتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم نویسنده : أبو السعود جلد : 6 صفحه : 182
{أَلَمْ تَرَ} الخ استئنافٌ خُوطبَ بهِ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم للإيذان بأنه تعالى أفاض عليه صلى الله عليه وسلم أعلى المراتب النُّور وأجلاها وبيَّن له من أسرار الملك الملكوت وأدقها وأخفَاها والهمزةُ للتَّقرير أي قد علمت عملا يقينيّاً شبيهاً بالمشاهدة في القوَّة والرَّصانةِ بالوحي الصَّريحِ والاستدلالِ الصَّحيحِ {أَنَّ الله يُسَبّحُ لَهُ} أي ينزهه تعالى على الدَّوام في ذاتِهِ وصفاتِه وأفعالِهِ عن كل مالا يليقُ بشأنه الجليلِ من نقص أو خللٍ {مَن في السماوات والأرض} أي ما فيهما إما بطريف الاستقرارِ فيهما من العُقلاء وغيرِهم كائناً ما كان أو بطريق الجزئية منهما تنزيها تفهمه العقولُ السَّليمةُ فإنَّ كل موجود من الموجودات المُمكنة مُركبّاً كان أو بسيطاً فهو من حيثُ ماهيته ووجود أحواله يدلُّ على وجود صانعٍ واجبِ الوجود متَّصفٌ بصفاتِ الكمال مقدَّسٌ عن كلِّ مالا يليق بشأن من شئونه الجليلةِ وقد نبَّه على كمالِ قُوَّةِ تلك الدِّلالةِ وغاية وضوحِها حيثُ عبَّر عنها بما يخص العقلاء من التَّسبيح الذي هو أقوى مراتب التَّنزيه وأظهرها تنزيلاً للسان الحالِ منزلةَ لسانِ المقالِ وأكَّدَ ذلك بإيثار كلمةِ مَن على مَا كأنَّ كلَّ شيءٍ ممَّا عزَّ وهان وكلَّ فردٍ من أفراد الأعراضِ والأعيان عاقلٌ ناطقٌ ومخبرٌ صادقٌ بعلُّوِ شأنِه تعالى وعزَّةِ سُلطانه وتخصيصُ التَّنزيه بالذِّكر مع دلالةِ ما فيهما على اتِّصافِه تعالى بنعوتِ الكمالِ أيضاً لما أنَّ مساقَ الكلامِ لتقبيح حال الفكرة في إخلالهم بالتَّنزيه بجعلهم الجماداتِ شركاءَ له في الأُلوهيَّةِ ونسبتهم إيَّاه إلى اتخاذ الولد تعالى عن ذلكَ عُلُّواً كبيراً وحملُ التَّسبيح على ما يليقُ بكلِّ نوعٍ من أنواع المخلوقات بأن يرادبه معنى مجازيٌّ شاملٌ لتسبيحِ العُقلاءِ وغيرهم حسبما هو المتبادرُ من قوله تعالى كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ يردُّه أنَّ بعضاً من العُقلاءِ وهم الكفرةُ من الثَّقلينِ لا يسبِّحونَهُ بذلك المعنى قطعاً وإنَّما تسبيحُهم ما ذُكر من الدِّلالةِ التي يُشاركهم فيها غيرُ العُقلاءِ أيضاً وفيه مزيد تخطئة لهم وتعيير ببيان أنَّهم يسبِّحونه تعالى باعتبارِ أخسِّ جهاتهم التي هي الجماديَّةُ والجسميَّةُ والحيوانيَّةُ ولا
سورة النور (41) السحاب {ظلمات} حبر مبتدأٍ محذوفٍ أيْ هيَ ظلماتٌ {بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ} أي متكاثفة متراكمة وهذا بيان لكمال شدَّةِ الظُّلماتِ كما أن قوله تعالى نُورٍ بيانٌ لغاية قُوَّةِ النُّورِ خلا أنَّ ذلك متعلِّق بالمشبَّهِ وهذا بالمشبَّه به كما يُعرِبُ عنه ما بعده وقُرىء بالجرِّ على الإبدالِ من الأُولى وقُرىء بإضافةِ السَّحابِ إليها {إِذَا أَخْرَجَ} أي مَن ابتُليَ بها وإضمارُه من غير ذكرِه لدلالة المَعْنى عليه دلالةً واضحة {يَدَهُ} جعلها بمرأى منه قريبةً من عينه لينظرَ إليها {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} وهي أقربُ شيءٍ منه فضلاً عن أنْ يراها {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ الله لَهُ نُوراً} الخ اعتراضٌ تذييليٌّ جىءَ به لتقدير ما أفاده التَّمثيلُ من كون أعمالِ الكَفَرةِ كما فُصِّل وتحقيق أنَّ ذلك لعدمِ هدايتِه تعالى إيَّاهم لنورِه وإيرادُ الموصولِ للإشارة بما في حيز الصلة إلى علة الحكم وأيهم ممَّن لم يشأ الله تعالى هدايتهم أي مَن لم يشأ الله أنْ يهديَه لنوره الذي هُو القرآنُ هدايةً خاصَّةً مستتبعة للاهتداء حتماً ولم يوقفه للإيمان به {فَمَا لَهُ مِن نُورٍ} أي فما له هدايةٌ ما من أحدٍ أصلاً وقوله تعالى
نام کتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم نویسنده : أبو السعود جلد : 6 صفحه : 182