responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم نویسنده : أبو السعود    جلد : 1  صفحه : 51
البقرة (18)
ما بالُهم أشبَهَتْ حالهم حالَ مستوقدٍ انطفأت ناره او بدله من جملة التمثيل على وجه البيان والضمير على الوجهين للمنافقين والجواب محذوفٌ كما في قوله تعالى {فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ} للإيجاز والأمن من الإلباس كأنه قيل فلما أضاءت ما حوله خمَدَت فبقُوا في الظلمات خابطين متحيِّرين خائبين بعد الكدح في إحيائها وإسنادُ الإذهاب إلى الله تعالى إما لأن الكل بخلقه تعالى وإما لأن الانطفاءَ حصل بسبب خفيّ أو أمر سماوي كريح أو مطر وإما للمبالغة كما يؤذن به تعديةُ الفعل بالباء دون الهمزة لما فيه من معنى الاستصحاب والإمساك يقال ذهب السلطان بما له إذا أخذه وما أخذه الله عز وجل فأمسكه فلا مرسلَ له من بعده ولذلك عُدل عن الضوء الذي هو مقتضى الظاهر إلى النور لأن ذهابَ الضوء قد يجامع بقاءَ النور في الجملة لعدم استلزام عدم القوي لعدم الضعيف والمراد إزالتُه بالكلية كما يفصحُ عنه قولُه تعالى {وَتَرَكَهُمْ فِي ظلمات لاَّ يُبْصِرُونَ} فإن الظلمةَ التي هي عدمُ النور وانطماسُه بالمرة لا سيما إذا كانت متضاعفة متراكمة متراكباً بعضُها على بعض كما يفيده الجمع والتنكير التفخيمي وما بعدها من قولِه تعالَى {لاَّ يُبْصِرُونَ} لا يتحقق الا بعد ان لا يبقى من النور عينٌ ولا أثرٌ وأما لأن المراد بالنور مالا يَرضى بهِ الله تعالَى من النار المجازية التي هينار الفتنة والفساد كما في قوله تعالى كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا الله ووصفُها بإضاءة ما حول المستوقد من باب الترشيح او النار الحقيقة التي يوقدها الغواة ليتوصلوا بها إلى بعض المعاصي ويهتدوا بها في طرق العيث والفساد فأطفأها الله تعالى وخيب آمالهم وترك في الأصل بمعنى طرَح وخلَّى وله مفعول واحد فضُمِّن معنى التصيير فجرى مَجرى أفعال القلوب قال
فتركتُه جَزَرَ السِّباع ينُشْنَه ... يقضَمْنَ حُسنَ بنانِه والمِعصَمِ
والظلمة مأخوذة من قولهم ما ظلمك أن تفعل كذا أي ما منعك لأنها تسد البصرَ وتمنعه من الرؤية وقرئ في ظُلْمات بسكون اللام وفي ظلمة بالتوحيد ومفعول لا يبصرون من قبيل المطروح كأن الفعل غير متعد والمعنى أن حالهم العجيبة التي هي اشتراؤهم الضلالةَ التي هي عبارةٌ عن ظلمتي الكفر والنفاق المستتبعين لظُلمة سخط الله تعالى وظلمةِ يوم القيامة يَوْمَ تَرَى المؤمنين والمؤمنات يسعى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبأيمانهم وظلمةِ العقاب السرمدي بالهدى الذي هو النورُ الفطري المؤيد بما شاهدوه من دلائل الحق أو بالهدى الذي كانوا حصّلوه من التوراة حسبما ذكر كحال من استوقد ناراً عظيمة حتى يكاد ينتفع بها فأطفأها الله تعالى وتركه في ظلمات هائلة لا يتسنى فيها الإبصار

{صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ} أخبارٌ لمبتدأ محذوفٍ هو ضمير المنافقين أو خبر واحد بالتأويل المشهور كما في قولهم هذا حلوٌ حامض والصممُ آفةٌ مانعة من السماع وأصلُه الصلابة واكتنازُ الأجزاء ومنه الحجرُ الأصم والقناةُ الصماء وصَمام القارورة سِدادُها سمي به فقدانُ حاسة السمع لما أن سببه اكتنازُ باطن الصّماخ وانسدادُ منافذه بحيث لا يكاد يدخله هواءٌ يحصل الصوت بتموجه والبُكم الخُرس والعمى عدم البصر عما من شأنه أن يُبصَر وُصفوا بذلك مع سلامة مشاعرهم المعدودة لما أنهم حيث سدوا مسامعهم عن الإصاخة لما يتلى عليهم من الآياتِ والذكرِ الحكيمِ وأبَوْا أن يتلقَّوْها بالقبول ويُنطِقوا بها ألسنتهم ولم يجتلوا ما شاهدوا من المعجزات الظاهرةُ على يدَيْ رسولِ

نام کتاب : تفسير أبي السعود = إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم نویسنده : أبو السعود    جلد : 1  صفحه : 51
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست