نام کتاب : تفسير ابن باديس في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير نویسنده : ابن باديس، عبد الحميد جلد : 1 صفحه : 60
كل هذا دال على بديع صنع الخالق القدير، وعجيب وضع العليم الحكيم، فمكنهم تعالى كلهم من الأسباب، وإدراك العقل، وحرية الإرادة. ثم فضل بينهم هذا التفضيل ... فكان منهم المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والشقي والسعيد، إلى تقسيم كثير.
وفقه أسباب هذا التفضيل، هو فقه الحياة والعمران والاجتماع. فلذا أمر تعالى بالنظر في أحوال هذا التفضيل بقوله: {أنظر كيف فضلنا بعضهم على بعض}.
و"كيف" سؤال عن الأحوال، والنظر المأمور به هو نظر القلب بالفكرة والاعتبار.
والجملة في محل نصب على العامل عن لفظها بكلمة الاستفهام.
وكما فضل بعض خلقه على بعض في دار الابتلاء، كذلك فضل بعضهم على بعض في دار الجزاء. لكن التفضيل هنالك أكبر، والتفاوت بين العباد أظهر، في مواقف القيامة، وفي داري الإقامة [1]، ويا بعد ما بين من في الجنة ومن في النار!
وأهل النار متفاوتون في دركاتها، وأهل الجنة متفاوتون في درجاتها.
روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قال:
» إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض «[2].
وروى البخاري ومسلم [3] عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قال:
» إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما يتراءون الكوكب الدري [4] الغابر في الأفق من المشرق والمغرب، لتفاضل ما بينهم. قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم؟ قال: بلى، والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله، وصدقوا المرسلين «.
وقال تعالى: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} [النساء: 145]. وهذا التفضيل الأخروي هو المراد بقوله تعالى: {وللاخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا}. [1] دارا الإقامة: هما الجنة والنار. [2] أخرجه البخاري في الجهاد والسير باب 4 (حديث 2790) وتمامه:» عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: من آمن بالله وبرسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان حقا على الله أن يدخله الجنة، جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها. فقالوا: يا رسول الله أفلا نبشر الناس؟ قال: إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض. فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة- أراه قال: وفوقه عرش الرحمن- ومنه تفجر أنهار الجنة «. [3] البخاري في بدء الخلق باب 8، ومسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها حديث 11. [4] الكوكب الدري: هو الكوكب العظيم، قيل: سمي دريا لبياضه كالدر، وقيل: لإضاءته، وقيل: لشبهه بالدر في كونه أرفع من باقي النجوم كالدر أرفع الجواهر.
نام کتاب : تفسير ابن باديس في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير نویسنده : ابن باديس، عبد الحميد جلد : 1 صفحه : 60