نام کتاب : تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز نویسنده : ابن عطية جلد : 2 صفحه : 62
هذين التأويلين لا يوقف في قوله: نَصِيراً وقالت فرقة: هي لابتداء الكلام، وفيه إضمار تقديره قوم يحرفون، هذا مذهب أبي علي، ونظيره قول الشاعر [النابغة الذبياني] : [الوافر]
كأنك من جمال أبي أقيش ... يقعقع خلف رجليه بشنّ
وقال الفراء وغيره: تقديره من، ومثله قول ذي الرمة: [الطويل]
فظلّوا ومنهم دمعه سابق له ... وآخر يثني دمعة العين باليد
فعلى هذا التأويل يوقف في قوله: نَصِيراً وقول سيبويه أصوب لأن إضمار الموصول ثقيل، وإضمار الموصوف أسهل، وهادُوا مأخوذ من هاد إذا تاب أو من يهود بن يعقوب وغيره التعريب، أو من التهود وهو الرويد من المشي واللين في القول، ذكر هذه كلها الخليل، وقد تقدم شرحها وبيانها في سورة البقرة، و «تحريف الكلم» على وجهين، إما بتغيير اللفظ، وقد فعلوا ذلك في الأقل، وإما بتغيير التأويل، وقد فعلوا ذلك في الأكثر، وإليه ذهب الطبري، وهذا كله في التوراة على قول الجمهور، وقالت طائفة: هو كلم القرآن، وقال مكي: كلام النبي محمد عليه السلام، فلا يكون التحريف على هذا إلا في التأويل، وقرأ النخعي وأبو رجاء: يحرفون الكلام بالألف، ومن جعل «من» متعلقة «بنصيرا» جعل «يحرفون» في موضع الحال، ومن جعلها منقطعة جعل «يحرفون» صفة، وقوله تعالى عنهم سَمِعْنا وَعَصَيْنا عبارة عن عتوهم في كفرهم وطغيانهم فيه، ومُسْمَعٍ لا يتصرف إلا من أسمع، وغَيْرَ مُسْمَعٍ يتخرج فيه معنيان: أحدهما غير مأمور وغير صاغر، كأنه قال: غير أن تسمع مأمورا بذلك، والآخر على جهة الدعاء، أي لا سمعت، كما تقول: امض غير مصيب، وغير ذلك، فكانت اليهود إذا خاطبت النبي بغير مسمع، أرادت في الباطن الدعاء عليه، وأرت ظاهرا أنها تريد تعظيمه، قال نحوه ابن عباس وغيره، وكذلك راعِنا كانوا يريدون منه في نفوسهم معنى الرعونة، وحكى مكي معنى رعاية الماشية، ويظهرون منه معنى المراعاة، فهذا معنى «ليّ اللسان» ، فقال الزجّاج: كانوا يريدون: اجعل سمعك لكلامنا مرعى.
قال القاضي أبو محمد: وفي هذا جفاء لا يخاطب به نبي، وفي مصحف ابن مسعود «راعونا» ومن قال: غَيْرَ مُسْمَعٍ غير مقبول منك فإنه لا يساعده التصريف، وقد حكاه الطبري عن الحسن ومجاهد، ولَيًّا أصله لويا، قلبت الواو ياء وأدغمت. وَطَعْناً فِي الدِّينِ أي توهينا له وإظهارا للاستخفاف به قال القاضي أبو محمد: وهذا الليّ باللسان إلى خلاف ما في القلب موجود حتى الآن في بني إسرائيل، ويحفظ منه في عصرنا أمثلة، إلا أنه لا يليق ذكرها بهذا الكتاب، وقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمْ الآية، المعنى: لو أنهم آمنوا وسمعوا وأطاعوا، واختلف المتأولون في قوله، وَانْظُرْنا فقال مجاهد وعكرمة وغيرهما: معناه انتظرنا، بمعنى: أفهمنا وتمهل علينا حتى نفهم عنك ونعي قولك، وهذا كما قال الحطيئة:
وقد نظرتكم إيناء صادرة ... للخمس طال بها مسحي وتنّاسي
نام کتاب : تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز نویسنده : ابن عطية جلد : 2 صفحه : 62