نام کتاب : تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز نویسنده : ابن عطية جلد : 2 صفحه : 304
قال القاضي أبو محمد: وهذا هو الصحيح، لأن علة النهي وهي سماع الخوض في آيات الله تسلهم وإياه وقيل: بل بالمعنى أيضا إنما أريد به النبي صلى الله عليه وسلم وحده، لأن قيامه عن المشركين كان يشق عليهم وفراقه لهم على معارضته وإن لم يكن المؤمنون عندهم كذلك، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن ينابذهم بالقيام عنهم إذا استهزؤوا وخاضوا ليتأدبوا بذلك ويدعوا الخوض والاستهزاء، وهذا التأويل يتركب على كلام ابن جرير يرحمه الله، والخوض أصله في الماء ثم يستعمل بعد في غمرات الأشياء التي هي مجاهل تشبيها بغمرات الماء، وَإِمَّا شرط وتلزمها النون الثقيلة في الأغلب، وقد لا تلزم كما قال:
إمّا يصبك عدوّ في مناوأة
إلى غير ذلك من الأمثلة، وقرأ ابن عامر وحده «ينسّنك» بتشديد السين وفتح النون والمعنى واحد، إلا أن التشديد أكثر مبالغة، والذِّكْرى والذكر واحد في المعنى وإنما هو تأنيث لفظي، ووصفهم هنا ب الظَّالِمِينَ متمكن لأنهم وضعوا الشيء في غير موضعه، وفَأَعْرِضْ في هذه الآية بمعنى المفارقة على حقيقة الإعراض وأكمل وجوهه، ويدل على ذلك فَلا تَقْعُدْ.
وقوله تعالى:
وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ الآية، المراد ب الَّذِينَ هم المؤمنون. والضمير في حِسابِهِمْ عائد على الَّذِينَ يَخُوضُونَ ومن قال إن المؤمنين داخلون في قوله: فَأَعْرِضْ قال إن النبي عليه السلام داخل في هذا القصد ب الَّذِينَ يَتَّقُونَ، والمعنى عندهم على ما روي أن المؤمنين قالوا لما نزلت فلا تقعد معهم قالوا: إذا كنا لا نضرب المشركين ولا نسمع أقوالهم فما يمكننا طواف ولا قضاء عبادة في الحرم فنزلت لذلك وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ.
قال القاضي أبو محمد: فالإباحة في هذا هي في القدر الذي يحتاج إليه من التصرف بين المشركين في عبادة ونحوها، وقال بعض من يقول إن النبي عليه السلام داخل في الَّذِينَ يَتَّقُونَ وإن المؤمنين داخلون في الخطاب الأول أن هذه الآية الأخيرة ليست إباحة بوجه، وإنما معناها لا تقعدوا معهم ولا تقربوهم حتى تسمعوا استهزاءهم وخوضهم، وليس نهيكم عن القعود لأن عليكم شيئا من حسابهم وإنما هو ذكرى لكم، ويحتمل المعنى أن يكون لهم لعلهم إذا جانبتموهم يتقون بالإمساك عن الاستهزاء، وأما من قال إن الخطاب الأول هو مجرد للنبي صلى الله عليه وسلم لثقل مفارقته مغضبا على الكفار فإنه قال في هذه الآية الثانية إنها مختصة بالمؤمنين، ومعناها الإباحة، فكأنه قال فلا تقعد معهم يا محمد وأما المؤمنون فلا شيء عليهم من حسابهم فإن قعدوا فليذكروهم لعلهم يتقون الله في ترك ما هم فيه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا القول أشار إليه النقاش ولم يوضحه، وفيه عندي نظر، وقال قائل هذه المقالة: إن هذه الإباحة للمؤمنين نسخت بآية النساء قوله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [النساء: 140] وكذلك أيضا من قال أولا إلا أن الإباحة كانت بحسب العبادات يقول إن هذه الآية التي في النساء ناسخة لذلك إذ هي مدنية، والإشارة بقوله: وَقَدْ نَزَّلَ [النساء: 140] إليها بنفسها فتأمله، وإلا فيجب أن يكون الناسخ
نام کتاب : تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز نویسنده : ابن عطية جلد : 2 صفحه : 304