نام کتاب : تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز نویسنده : ابن عطية جلد : 1 صفحه : 382
إحداهما إن ضلت الأخرى. قال سيبويه: وهذا كما تقول: أعددت هذه الخشبة أن يميل هذا الحائط فأدعمه.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه: ولما كانت النفوس مستشرفة إلى معرفة أسباب الحوادث، قدم في هذه العبارة ذكر سبب الأمر المقصود أن يخبر به، وفي ذلك سبق النفوس إلى الإعلام بمرادها، وهذا من أنواع أبرع الفصاحة، إذ لو قال رجل لك: أعددت هذه الخشبة أن أدعم بها الحائط، لقال السامع: ولم تدعم حائطا قائما؟ فيجب ذكر السبب فيقال: إذا مال. فجاء في كلامهم تقديم السبب أخصر من هذه المحاورة. وقال أبو عبيد: معنى تَضِلَّ تنسى.
قال القاضي أبو محمد: والضلال عن الشهادة إنما هو نسيان جزء منها وذكر جزء. ويبقى المرء بين ذلك حيران ضالا، ومن نسي الشهادة جملة فليس يقال: ضل فيها، فأما قراءة حمزة فجعل أَنْ الجزاء، والفاء في قوله فَتُذَكِّرَ جواب الجزاء، وموضع الشرط وجوابه رفع بكونه صفة للمذكور، وهما المرأتان، وارتفع «تذكر» كما ارتفع قوله تعالى: وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ [المائدة: 95] هذا قول سيبويه.
قال القاضي أبو محمد: وفي هذا نظر، وأما نصب قوله «فتذكر» على قراءة الجماعة فعلى العطف على الفعل المنصوب ب أَنْ، وتخفيف الكاف على قراءة أبي عمرو وابن كثير هو بمعنى تثقيله من الذكر، يقال: ذكرت وأذكرته تعديه بالتضعيف أو بالهمز، وروي عن أبي عمرو بن العلاء وسفيان بن عيينة أنهما قالا: معنى قوله: «فتذكر» بتخفيف الكاف أي تردها ذكرا في الشهادة، لأن شهادة امرأة تصف شهادة، فإذا شهدتا صار مجموعهما كشهادة ذكر، وهذا تأويل بعيد، غير فصيح، ولا يحسن في مقابلة الضلال إلا الذكر، وذكرت بشد الكاف يتعدى إلى مفعولين، وأحدهما في الآية محذوف، تقديره فتذكر إحداهما الأخرى «الشهادة» ، التي ضلت عنها، وقرأ الجحدري وعيسى بن عمر: «أن تضل» بضم التاء وفتح الضاد بمعنى تنسى، هكذا حكى عنهما أبو عمرو الداني، وحكى النقاش عن الجحدري ضم التاء وكسر الضاد بمعنى أن تضل الشهادة، تقول: أضللت الفرس والبعير إذا تلفا لك وذهبا فلم تجدهما، وقرأ حميد بن عبد الرحمن ومجاهد «فتذكر» بتخفيف الكاف المكسورة ورفع الراء، وتضمنت هذه الآية جواز شهادة امرأتين بشرط اقترانهما برجل، واختلف قول مالك في شهادتهما، فروى عنه ابن وهب أن شهادة النساء لا تجوز إلا حيث ذكرها الله في الدين، أو فيما لا يطلع عليه أحد إلا هن للضرورة إلى ذلك، وروى عنه ابن القاسم أنها تجوز في الأموال والوكالات على الأموال وكل ما جر إلى مال، وخالف في ذلك أشهب وغيره، وكذلك إذا شهدن على ما يؤدي إلى غير مال، ففيها قولان في المذهب.
قوله عز وجل:
وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلَّا تَرْتابُوا قال قتادة والربيع وغيرهما: معنى الآية، إذا دعوا أن يشهدوا فيتقيد حق بشهادتهم، وفي هذا المعنى
نام کتاب : تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز نویسنده : ابن عطية جلد : 1 صفحه : 382