responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير البغوي - ط دار طيبة نویسنده : البغوي، أبو محمد    جلد : 2  صفحه : 32
فَذَهَبَ بِهَا الْمَاءُ فَسَهَمَهُمْ وَقَرَعَهُمْ زَكَرِيَّا، وَكَانَ زَكَرِيَّا رَأْسَ الْأَحْبَارِ وَنَبِيَّهُمْ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَعَاصِمٌ بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ فَيَكُونُ زَكَرِيَّا فِي مَحَلِّ النَّصْبِ أَيْ ضَمَنَهَا اللَّهُ زَكَرِيَّا وَضَمَّهَا إِلَيْهِ بِالْقُرْعَةِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالتَّخْفِيفِ فَيَكُونُ زَكَرِيَّا فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ أَيْ ضَمَّهَا زَكَرِيَّا إِلَى نَفْسِهِ وَقَامَ بِأَمْرِهَا، وَهُوَ زَكَرِيَّا بْنُ آذَنَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ صَدُوقَ، مِنْ أَوْلَادِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.
وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ: زَكَرِيَّا مَقْصُورًا وَالْآخَرُونَ يَمُدُّونَهُ.
فَلَمَّا ضَمَّ زَكَرِيَّا مَرْيَمَ إِلَى نَفْسِهِ بَنَى لَهَا، بَيْتًا وَاسْتَرْضَعَ لَهَا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ضَمَّهَا إِلَى خَالَتِهَا أَمِّ يحيى حتى 57/أإِذَا شَبَّتْ وَبَلَغَتْ مَبْلَغَ النِّسَاءِ بَنَى لَهَا مِحْرَابًا فِي الْمَسْجِدِ، وَجُعِلَ بَابُهُ فِي وَسَطِهَا لَا يُرْقَى إِلَيْهَا إِلَّا بِالسُّلَّمِ مِثْلَ بَابِ الْكَعْبَةِ لَا يَصْعَدُ إِلَيْهَا غَيْرُهُ، وَكَانَ يَأْتِيهَا بِطَعَامِهَا وَشَرَابِهَا وَدُهْنِهَا كُلَّ يَوْمٍ {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ} وَأَرَادَ بِالْمِحْرَابِ الْغُرْفَةَ، وَالْمِحْرَابُ أَشْرَفُ الْمَجَالِسِ وَمُقَدَّمُهَا، وَكَذَلِكَ هُوَ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَيُقَالُ لِلْمَسْجِدِ أَيْضًا مِحْرَابٌ قَالَ الْمُبَرِّدُ: لَا يَكُونُ الْمِحْرَابُ إِلَّا أَنْ يُرْتَقَى إِلَيْهِ بِدَرَجَةٍ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: كَانَ زَكَرِيَّا إِذَا خَرَجَ يُغْلِقُ عَلَيْهَا سَبْعَةَ أَبْوَابٍ فَإِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا غُرْفَتَهَا {وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا} أَيْ فَاكِهَةً فِي غَيْرِ حِينِهَا، فَاكِهَةَ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ وَفَاكِهَةَ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ {قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا} قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَعْنَاهُ مِنْ أَيْنَ لَكِ هَذَا؟ وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ، وَقَالَ: مَعْنَاهُ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ لَكِ هَذَا؟ لِأَنَّ "أَنَّى" لِلسُّؤَالِ عَنِ الْجِهَةِ وَأَيْنَ لِلسُّؤَالِ عَنِ الْمَكَانِ {قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} أَيْ مِنْ قِطْفِ الْجَنَّةِ، قَالَ الْحَسَنُ: حِينَ وُلِدَتْ مَرْيَمُ لَمْ تَلْقُمْ ثَدْيًا قَطُّ، كَانَ يَأْتِيهَا رِزْقُهَا مِنَ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ لَهَا زَكَرِيَّا: أَنَّى لَكِ هَذَا؟ قَالَتْ: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَكَلَّمَتْ وَهِيَ صَغِيرَةٌ {إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ أَصَابَتْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَزْمَةٌ وَهِيَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حَالِهَا حَتَّى ضَعُفَ زَكَرِيَّا عَنْ حَمْلِهَا فَخَرَجَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ: تَعْلَمُونَ وَاللَّهِ لَقَدْ كَبُرَتْ سِنِّي وَضَعُفْتُ عَنْ حَمْلِ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ فَأَيُّكُمْ يَكْفُلُهَا بَعْدِي؟ قَالُوا: وَاللَّهِ لَقَدْ جَهِدْنَا وَأَصَابَنَا مِنَ السَّنَةِ مَا تَرَى، فَتَدَافَعُوهَا بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا مِنْ حَمْلِهَا بُدًّا، فَتَقَارَعُوا عَلَيْهَا بِالْأَقْلَامِ فَخَرَجَ السَّهْمُ عَلَى رَجُلٍ نَجَّارٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ: يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ وَكَانَ ابْنَ عَمِّ مَرْيَمَ فَحَمَلَهَا، فَعَرَفَتْ مَرْيَمُ فِي وَجْهِهِ شِدَّةَ مُؤْنَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَقَالَتْ لَهُ: يَا يُوسُفُ أَحْسِنْ بِاللَّهِ الظَّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ سَيَرْزُقُنَا، فَجَعَلَ يُوسُفُ يُرْزَقُ بِمَكَانِهَا مِنْهُ، فَيَأْتِيهَا كُلَّ يَوْمٍ مِنْ كَسْبِهِ بِمَا يُصْلِحُهَا فَإِذَا أَدْخَلَهُ عَلَيْهَا فِي الْكَنِيسَةِ أَنْمَاهُ اللَّهُ، فَيَدْخُلُ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا فَيَرَى عِنْدَهَا فَضْلًا مِنَ الرِّزْقِ، لَيْسَ بِقَدْرِ مَا يَأْتِيهَا بِهِ يُوسُفُ، فَيَقُولُ: يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [1] .
قَالَ أَهْلُ الْأَخْبَارِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ زَكَرِيَّا قَالَ: إِنَّ الَّذِي قَدَرَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ مَرْيَمَ بِالْفَاكِهَةِ فِي غَيْرِ حِينِهَا

[1] انظر سيرة ابن هشام: 2 / 49 فقد ذكره القصة مختصرة عن ابن إسحاق دون إسناد وفيها أنه خرج السهم على جريج الراهب.
نام کتاب : تفسير البغوي - ط دار طيبة نویسنده : البغوي، أبو محمد    جلد : 2  صفحه : 32
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست