نام کتاب : تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن نویسنده : الثعالبي، أبو زيد جلد : 2 صفحه : 417
وقوله سبحانه: أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، أيْ: مؤمنة قاله مالك [1] وجماعةٌ لأن هذا المطْلَق راجعٌ إلى المقيدِ في عِتْقِ الرقبة في قَتْل الخطإ.
وقوله سبحانه: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ: معناه: لم يجدْ في ملكه أحد هذه الثلاث [1] ذهب الجمهور، ومنهم مالك، والشافعي، وأحمد في مشهور مذهبه، والأوزاعي: إلى أن عتق الرقبة الكافرة في كفارة اليمين لا يجزىء، ولا تسقط الكفارة به.
وذهب الإمام أبو حنيفة، وأصحابه، والثوري، وعطاء، وأبو ثور إلى أن ذلك مجزىء، ومسقط للكفارة، وهو رواية عن الإمام أحمد.
احتج الجمهور بما رواه مسلم، والنّسائيّ عن معاوية بن الحكم قال: «كانت لي جارية فأتيت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقلت: عليّ رقبة. أفأعتقها؟ فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أين الله؟ فقالت في السّماء فقال: من أنا؟
فقالت: أنت رسول الله. فقال صلّى الله عليه وسلّم: أعتقها، فإنّها مؤمنة» .
ووجه الدلالة: أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أخّر الجواب عن السائل، حتى علم ما عليه تلك الرقبة من الإيمان أو الكفر، فلما تأكد له إيمانها، أجابه صلّى الله عليه وسلّم بأن يعتقها، وقال له: «فإنّها مؤمنة» . فلو لم يكن وصف الإيمان له دخل في إجزاء العتق، لما كان لهذا التأخير فائدة، ومثل ذلك يجلّ عنه مقام الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
وأيضا فإنه عليه الصلاة والسلام علّق عتقها على الإيمان، وتعليق ذلك يدل على أن الإيمان علّة الإجزاء لأن تعلّق الحكم بالمشتق مؤذن بأن مبدأ الاشتقاق علة فيه.
وقالوا: إن الرقبة في الآية، وإن كانت مطلقة غير مقيدة بوصف الإيمان، إلا أن هذا الحديث يصلح أن يكون مقيدا لها، فيكون المقصود من الرقبة فيها: هي الرقبة المؤمنة أو يقال: إن كفارة اليمين قد اتحد الحكم فيها مع كفارة القتل، ففي كل وجب عتق رقبة، واختلف سببهما إذ كفارة اليمين سببها اليمين، وكفارة القتل سببها القتل، والمطلق والمقيد متى اتحد حكمهما حمل المطلق على المقيد، وإن اختلف سببهما متى وجدت علّة جامعة بينهما، فتكون الرقبة في كفارة اليمين محمولة على الرقبة في كفارة القتل، فتقيد بالإيمان، كما قيدت به في كفارة القتل لأن العلة التي تجمعهما: هي حرمة السبب.
واحتج الإمام أبو حنيفة، ومن معه بأن الآية غير مقيدة، فهي شاملة للرقبة المؤمنة، وللرقبة الكافرة، والمطلق يجب بقاؤه على إطلاقه، حتى يرد من الشرع ما يقيده، ولم يرد ما يقيد الرقبة بالإيمان هاهنا، فكانت باقية على إطلاقها، فعتق الكافرة مجزىء كعتق المسلمة، وليس حمل المطلق على المقيد عند اتحاد الحكم مع اختلاف السبب أمرا متفقا عليه، بل نحن لا نقول به، وبالنظر في وجهة كل نجد أن مذهب الجمهور هو الراجح، لأن الحديث المتقدم مقيد للآية، فلم تبق على إطلاقها ولأن الكفارة عبادة يتقرب بها إلى الله عز وجل، فوجب أن تكون خاصة بأهل عبادته من المؤمنين كمال الزكاة، وذبائح النّسك.
نعم، إن الإسلام دين الرحمة العامة، والصدقة فيه حتى على الكفار غير المحاربين مستحبة، ولكن فرقا بين الصدقة المطلقة، وبين العبادات المحددة المقيدة، فتكفير الذنب إنما يرجى بما في العتق من إعانة العتيق على طاعته تعالى، حتى من قال بإجزاء الكافرة لا يمكنه أن ينكر أن الاحتياط في إبراء الذمة إنما هو بإعتاق الرقبة المؤمنة، فتقديم المجمع عليه المتيقن إجزاؤه أولى بالاعتبار من المظنون المختلف فيه.
ينظر: «الكفارات» لشيخنا حسن علي حسن الكاشف.
نام کتاب : تفسير الثعالبي = الجواهر الحسان في تفسير القرآن نویسنده : الثعالبي، أبو زيد جلد : 2 صفحه : 417