responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 522
وَفُلَانٍ إِذَا تَبَاعَدَتِ الْقَرَابَةُ، وَحَمَلَ فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ، ثُمَّ كَلَّ عَنْهُ إِذَا تَبَاعَدَ. فَسُمِّيَتِ الْقَرَابَةُ الْبَعِيدَةُ كَلَالَةً مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. الثَّانِي: يُقَالُ: كَلَّ الرَّجُلُ يَكِلُّ كَلًّا وَكَلَالَةً إِذَا أَعْيَا وَذَهَبَتْ قُوَّتُهُ، ثُمَّ جَعَلُوا هَذَا اللَّفْظَ اسْتِعَارَةً مِنَ الْقَرَابَةِ الْحَاصِلَةِ لَا مِنْ جِهَةِ الْوِلَادَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ هَذِهِ الْقَرَابَةَ حَاصِلَةٌ بِوَاسِطَةِ الْغَيْرِ فَيَكُونُ فِيهَا ضَعْفٌ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّهُ يَبْعُدُ إِدْخَالُ الْوَالِدَيْنِ فِي الْكَلَالَةِ لِأَنَّ انْتِسَابَهُمَا إِلَى الْمَيِّتِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ. الثَّالِثُ: الْكَلَالَةُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِحَاطَةِ، وَمِنْهُ الْإِكْلِيلُ لِإِحَاطَتِهِ/ بِالرَّأْسِ، وَمِنْهُ الْكُلُّ لِإِحَاطَتِهِ بِمَا يَدْخَلُ فِيهِ، وَيُقَالُ تَكَلَّلَ السَّحَابُ إِذَا صَارَ مُحِيطًا بِالْجَوَانِبِ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: مَنْ عَدَا الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ إِنَّمَا سُمُّوا بِالْكَلَالَةِ، لِأَنَّهُمْ كَالدَّائِرَةِ الْمُحِيطَةِ بِالْإِنْسَانِ وَكَالْإِكْلِيلِ الْمُحِيطِ بِرَأْسِهِ: أما قرية الْوِلَادَةِ فَلَيْسَتْ كَذَلِكَ فَإِنَّ فِيهَا يَتَفَرَّعُ الْبَعْضُ عَنِ الْبَعْضِ:
وَيَتَوَلَّدُ الْبَعْضُ مِنَ الْبَعْضِ، كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ الَّذِي يَتَزَايَدُ عَلَى نَسَقٍ وَاحِدٍ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّاعِرُ:
نَسَبٌ تَتَابَعَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ ... كَالرُّمْحِ أُنْبُوبًا عَلَى أُنْبُوبِ
فَأَمَّا الْقَرَابَةُ الْمُغَايِرَةُ لِقَرَابَةِ الْوِلَادَةِ، وَهِيَ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ، فَإِنَّمَا يَحْصُلُ لِنَسَبِهِمُ اتِّصَالٌ وَإِحَاطَةٌ بِالْمَنْسُوبِ إِلَيْهِ، فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ الِاشْتِقَاقِيَّةِ أَنَّ الْكَلَالَةَ عِبَارَةٌ عَمَّنْ عَدَا الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ.
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى مَا ذَكَرَ لَفْظَ الْكَلَالَةِ فِي كِتَابِهِ إِلَّا مَرَّتَيْنِ، فِي هَذِهِ السُّورَةِ: أَحَدُهُمَا: فِي هَذِهِ الْآيَةِ: وَالثَّانِي: فِي آخِرِ السُّورَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ مَا تَرَكَ [النِّسَاءِ: 176] وَاحْتَجَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْكَلَالَةَ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ فَقَطْ، قَالَ: لِأَنَّ المذكور هاهنا فِي تَفْسِيرِ الْكَلَالَةِ: هُوَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ، إِلَّا أَنَّا نَقُولُ: هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَلَالَةَ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ. وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ بِتَوْرِيثِ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ حَالَ كَوْنِ الْمَيِّتِ كَلَالَةً، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ لَا يَرِثُونَ حَالَ وُجُودِ الْأَبَوَيْنِ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَيِّتُ كَلَالَةً حَالَ وُجُودِ الْأَبَوَيْنِ.
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ حُكْمَ الْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ فِي الْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِذِكْرِ الْكَلَالَةِ، وَهَذَا التَّرْتِيبُ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْكَلَالَةُ مَنْ عَدَا الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ.
الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ:
وَرِثْتُمْ قَنَاةَ الْمُلْكِ لَا عَنْ كَلَالَةٍ ... عَنِ ابْنَيْ مَنَافٍ عَبْدِ شَمْسٍ وَهَاشِمِ
دَلَّ هَذَا الْبَيْتُ عَلَى أَنَّهُمْ مَا وَرِثُوا الْمُلْكَ عَنِ الْكَلَالَةِ، وَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ وَرِثُوهَا عَنْ آبَائِهِمْ، وَهَذَا يُوجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَبُ دَاخِلًا فِي الْكَلَالَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْكَلَالَةُ قَدْ تُجْعَلُ وَصْفًا لِلْوَارِثِ وَلِلْمُوَرَّثِ، فَإِذَا جَعَلْنَاهَا وَصْفًا لِلْوَارِثِ فَالْمُرَادُ مَنْ سِوَى الْأَوْلَادِ وَالْوَالِدَيْنِ، وَإِذَا جَعَلْنَاهَا وَصْفًا لِلْمُوَرَّثِ، فَالْمُرَادُ الَّذِي يَرِثُهُ مَنْ سِوَى الْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلَادِ، أَمَّا بَيَانُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْوَارِثِ فَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا
رَوَى جَابِرٌ قَالَ: مَرِضْتُ مَرَضًا أُشْفِيتُ مِنْهُ عَلَى الْمَوْتِ فَأَتَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ لَا يَرِثُنِي إِلَّا كَلَالَةٌ،
وَأَرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ وَالِدٌ وَلَا وَلَدٌ، وَأَمَّا أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْمُوَرَّثِ فَالْبَيْتُ الَّذِي/ رَوَيْنَاهُ عَنِ الْفَرَزْدَقِ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّكُمْ مَا وَرِثْتُمُ الْمُلْكَ عَنِ الْأَعْمَامِ، بَلْ عَنِ الْآبَاءِ فَسَمَّى الْعَمَّ كلالة وهو هاهنا مُوَرِّثٌ لَا وَارِثٌ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: الْمُرَادُ مِنَ الْكَلَالَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْمَيِّتُ، الَّذِي لَا يَخْلُفُ الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدَ، لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ إِنَّمَا كَانَ مُعْتَبَرًا فِي الْمَيِّتِ الَّذِي هُوَ الْمُوَرِّثُ لَا فِي الْوَارِثِ الَّذِي لَا يختلف حاله بسب أَنَّ لَهُ وَلَدًا أَوْ وَالِدًا أَمْ لَا.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 522
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست