responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 473
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ وَقَتَادَةُ: نَزَلَتْ فِي النَّجَاشِيِّ حِينَ مَاتَ وَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: إِنَّهُ يُصَلِّي عَلَى نَصْرَانِيٍّ لَمْ يَرَهُ قَطُّ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَابْنُ زَيْدٍ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَصْحَابِهِ، وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ، وَاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ مِنَ الْحَبَشَةِ، وَثَمَانِيَةٍ مِنَ الرُّومِ كَانُوا عَلَى دِينِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَسْلَمُوا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ كُلِّهِمْ، وَهَذَا هُوَ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْكُفَّارَ بِأَنَّ مَصِيرَهُمْ إِلَى الْعِقَابِ، بَيَّنَ فِيمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِأَنَّ مَصِيرَهُمْ إِلَى الثَّوَابِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَهُمْ بِصِفَاتٍ: أَوَّلُهَا: الْإِيمَانُ بِاللَّهِ، وَثَانِيهَا: الْإِيمَانُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَثَالِثُهَا: الْإِيمَانُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَرَابِعُهَا: كَوْنُهُمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ وَهُوَ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ يُؤْمِنُ لِأَنَّ مَنْ يُؤْمِنُ فِي مَعْنَى الْجَمْعِ. وَخَامِسُهَا: أَنَّهُمْ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا كَمَا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْكِتَابِ مِمَّنْ كَانَ يَكْتُمُ أَمْرَ الرَّسُولِ وَصِحَّةَ نُبُوَّتِهِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى فِي صِفَتِهِمْ: أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ وَالْفَائِدَةُ فِي كَوْنِهِ سَرِيعَ الْحِسَابِ كَوْنُهُ عَالِمًا بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ، فَيَعْلَمُ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ.
قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ أَنْوَاعًا كَثِيرَةً مِنْ عُلُومِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ، أَمَّا الْأُصُولُ فَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِتَقْرِيرِ التَّوْحِيدِ وَالْعَدْلِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْمَعَادِ، وَأَمَّا الْفُرُوعُ فَفِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّكَالِيفِ وَالْأَحْكَامِ نَحْوُ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَغَيْرِهِمَا، خَتَمَ هَذِهِ السُّورَةَ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى جَمِيعِ الْآدَابِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَحْوَالَ الْإِنْسَانِ قِسْمَانِ: مِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَحْدَهُ، وَمِنْهَا مَا يَكُونُ مُشْتَرِكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الصَّبْرِ، وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْمُصَابَرَةِ.
أَمَّا الصَّبْرُ فَيَنْدَرِجُ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ: أَوَّلُهَا: أَنْ يَصْبِرَ عَلَى مَشَقَّةِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ فِي مَعْرِفَةِ التَّوْحِيدِ وَالْعَدْلِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْمَعَادِ، وَعَلَى مَشَقَّةِ اسْتِنْبَاطِ الْجَوَابِ عَنْ شُبُهَاتِ الْمُخَالِفِينَ. وَثَانِيهَا: أَنْ يَصْبِرَ عَلَى مَشَقَّةِ أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَالْمَنْدُوبَاتِ. وَثَالِثُهَا: أَنْ يَصْبِرَ عَلَى مَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنِ الْمَنْهِيَّاتِ. وَرَابِعُهَا: الصَّبْرُ عَلَى شَدَائِدِ الدُّنْيَا وَآفَاتِهَا مِنَ الْمَرَضِ وَالْفَقْرِ وَالْقَحْطِ وَالْخَوْفِ، فَقَوْلُهُ: اصْبِرُوا يَدْخُلُ تَحْتَهُ هَذِهِ الْأَقْسَامُ، وَتَحْتَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ أَنْوَاعٌ لَا نِهَايَةَ لَهَا، وَأَمَّا الْمُصَابَرَةُ فَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ تَحَمُّلِ الْمَكَارِهِ الْوَاقِعَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغَيْرِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ تَحَمُّلُ الْأَخْلَاقِ الرَّدِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَالْجِيرَانِ وَالْأَقَارِبِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ تَرْكُ الِانْتِقَامِ مِمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْكَ كَمَا قَالَ: وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ
[الْأَعْرَافِ: 199] وَقَالَ: وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً [الْفُرْقَانِ: 72] وَيَدْخُلُ فِيهِ الْإِيثَارُ عَلَى الْغَيْرِ كَمَا قَالَ: وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ [الْحَشْرِ: 9] وَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَفْوُ عَمَّنْ ظَلَمَكَ كَمَا قَالَ: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى [الْبَقَرَةِ: 237] وَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَإِنَّ الْمُقْدِمَ عَلَيْهِ رُبَّمَا وَصَلَ إِلَيْهِ بِسَبَبِهِ ضَرَرٌ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْجِهَادُ فَإِنَّهُ تَعْرِيضُ النَّفْسِ لِلْهَلَاكِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمُصَابَرَةُ مَعَ الْمُبْطِلِينَ، وَحَلُّ شُكُوكِهِمْ وَالْجَوَابُ عَنْ شُبَهِهِمْ، وَالِاحْتِيَالُ فِي إِزَالَةِ تِلْكَ الْأَبَاطِيلِ عَنْ قُلُوبِهِمْ، فَثَبَتَ أَنَّ قَوْلَهُ اصْبِرُوا تَنَاوَلَ كُلَّ مَا تَعَلَّقَ بِهِ وَحْدَهُ وَصابِرُوا تَنَاوَلَ كُلَّ مَا كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِنْسَانَ وَإِنْ تَكَلَّفَ الصَّبْرَ وَالْمُصَابَرَةَ إِلَّا أَنَّ فِيهِ أَخْلَاقًا ذَمِيمَةً تُحْمَلُ عَلَى أَضْدَادِهَا وَهِيَ الشَّهْوَةُ وَالْغَضَبُ وَالْحِرْصُ، وَالْإِنْسَانُ مَا لَمْ يَكُنْ مُشْتَغِلًا طُولَ عُمُرِهِ بِمُجَاهَدَتِهَا وَقَهْرِهَا لَا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِالصَّبْرِ وَالْمُصَابَرَةِ، فَلِهَذَا قَالَ: وَرابِطُوا وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمُجَاهَدَةُ فِعْلًا مِنَ الْأَفْعَالِ وَلَا بُدَّ لِلْإِنْسَانِ فِي كُلِّ فعل

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 473
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست