responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 454
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لَتُبْلَوُنَّ لَتُخْتَبَرُنَّ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي وَصْفِ اللَّهِ تَعَالَى الِاخْتِبَارُ لِأَنَّهُ طَلَبَ الْمَعْرِفَةَ لِيَعْرِفَ الْجَيِّدَ مِنَ الرَّدِيءِ، وَلَكِنَّ مَعْنَاهُ فِي وَصْفِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ يُعَامِلُ الْعَبْدَ مُعَامَلَةَ الْمُخْتَبَرِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى هَذَا الِابْتِلَاءِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُرَادُ مَا يَنَالُهُمْ مِنَ الشِّدَّةِ وَالْفَقْرِ وَمَا يَنَالُهُمْ مِنَ الْقَتْلِ وَالْجَرْحِ وَالْهَزِيمَةِ مِنْ جِهَةِ الْكُفَّارِ، وَمِنْ حَيْثُ أُلْزِمُوا الصَّبْرَ فِي الْجِهَادِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْمُرَادُ بِهِ التَّكَالِيفُ الشَّدِيدَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْبَدَنِ وَالْمَالِ، وَهِيَ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالْجِهَادُ. قَالَ الْقَاضِي: وَالظَّاهِرُ يَحْتَمِلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ فَلَا يَمْتَنِعُ حَمْلُهُ عَلَيْهِمَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً فَالْمُرَادُ مِنْهُ أَنْوَاعُ الْإِيذَاءِ الْحَاصِلَةِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ، وَالْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وَثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، وَكَانُوا يَطْعَنُونَ فِي الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِكُلِّ مَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ، وَلَقَدْ هَجَاهُ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، وَكَانُوا يُحَرِّضُونَ النَّاسَ عَلَى مُخَالَفَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَمَّا الْمُشْرِكُونَ فَهُمْ كَانُوا يُحَرِّضُونَ النَّاسَ عَلَى مُخَالَفَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَجْمَعُونَ الْعَسَاكِرَ عَلَى مُحَارَبَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُثَبِّطُونَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ نُصْرَتِهِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ مَحْمُولًا عَلَى الْكُلِّ إِذْ لَيْسَ حَمْلُهُ عَلَى الْبَعْضِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الثاني.
ثم قال عَطْفًا عَلَى الْأَمْرَيْنِ: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى:
قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: بَعَثَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ إِلَى فِنْحَاصَ الْيَهُودِيِّ يَسْتَمِدُّهُ، فَقَالَ فِنْحَاصُ قَدِ احْتَاجَ رَبُّكَ إِلَى أَنْ نُمِدَّهُ، فَهَمَّ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَضْرِبَهُ بِالسَّيْفِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ حِينَ بَعَثَهُ:
لَا تَغْلِبَنَّ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تَرْجِعَ إِلَيَّ، فَتَذَكَّرَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَلِكَ وَكَفَّ عَنِ الضَّرْبِ وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لِلْآيَةِ تَأْوِيلَانِ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ أَمْرُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُصَابَرَةِ عَلَى الِابْتِلَاءِ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ، وَالْمُصَابَرَةِ عَلَى تَحَمُّلِ الْأَذَى وَتَرْكِ الْمُعَارَضَةِ وَالْمُقَابَلَةِ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى دُخُولِ الْمُخَالِفِ فِي الدِّينِ، كَمَا قَالَ: فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى [طه: 44] وَقَالَ: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ [الْجَاثِيَةِ: 14] وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْغُفْرَانِ الصَّبْرُ وَتَرْكُ الِانْتِقَامِ وَقَالَ تَعَالَى:
وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً [الْفُرْقَانِ: 72] وَقَالَ: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الْأَحْقَافِ:
35] وَقَالَ: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فُصِّلَتْ: 34] قَالَ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: كَانَ هَذَا قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ السَّيْفِ. قَالَ الْقَفَّالُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الَّذِي عِنْدِي أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا نَزَلَتْ عَقِيبَ قِصَّةِ أُحُدٍ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِالصَّبْرِ عَلَى مَا يُؤْذُونَ بِهِ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى طَرِيقِ الْأَقْوَالِ الْجَارِيَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَاسْتِعْمَالِ مُدَارَاتِهِمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْوَالِ وَالْأَمْرُ بِالْقِتَالِ لَا يُنَافِي الْأَمْرَ بِالْمُصَابَرَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْوَاحِدِيِّ ضَعِيفٌ، وَالْقَوْلُ مَا قَالَهُ الْقَفَّالُ.
الْوَجْهُ الثَّانِي فِي التَّأْوِيلِ: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الصَّبْرِ وَالتَّقْوَى: الصَّبْرَ عَلَى مُجَاهَدَةِ الْكُفَّارِ وَمُنَابَذَتَهُمْ وَالْإِنْكَارَ عَلَيْهِمْ، فَأُمِرُوا بِالصَّبْرِ عَلَى مَشَاقِّ الْجِهَادِ، وَالْجَرْيَ عَلَى نَهْجِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْإِنْكَارِ عَلَى الْيَهُودِ وَالِاتِّقَاءَ عَنِ الْمُدَاهَنَةِ مَعَ الْكُفَّارِ، وَالسُّكُوتِ عَنْ إِظْهَارِ الْإِنْكَارِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الصَّبْرُ عِبَارَةٌ عَنِ احْتِمَالِ الْمَكْرُوهِ، وَالتَّقْوَى عِبَارَةٌ عَنِ الِاحْتِرَازِ عَمَّا لَا يَنْبَغِي/ فَقَدَّمَ ذِكْرَ الصَّبْرِ ثُمَّ ذَكَرَ عَقِبَهُ التَّقْوَى، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ إِنَّمَا يُقْدِمُ عَلَى الصَّبْرِ لِأَجْلِ أَنَّهُ يُرِيدُ الِاتِّقَاءَ عَمَّا لَا يَنْبَغِي، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الصَّبْرِ هُوَ أَنَّ مُقَابَلَةَ الْإِسَاءَةِ بِالْإِسَاءَةِ تُفْضِي إِلَى ازْدِيَادِ الْإِسَاءَةِ، فَأُمِرَ بِالصَّبْرِ تَقْلِيلًا

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 454
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست