responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 444
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْبُخْلَ عِبَارَةٌ عَنْ مَنْعِ الْوَاجِبِ، وَأَنَّ مَنْعَ التَّطَوُّعِ/ لَا يَكُونُ بُخْلًا، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْآيَةَ دَالَّةٌ عَلَى الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ فِي البخل، والوعيد لا يليق إلا الْوَاجِبِ. وَثَانِيهَا: أَنَّهُ تَعَالَى ذَمَّ الْبُخْلَ وَعَابَهُ، وَمَنْعُ التَّطَوُّعِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُذَمَّ فَاعِلُهُ وَأَنْ يُعَابَ بِهِ. وَثَالِثُهَا: وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَنْفَكُّ عَنْ تَرْكِ التَّفَضُّلِ لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لِمَقْدُورَاتِهِ فِي التَّفَضُّلِ، وَكُلُّ مَا يَدْخُلُ فِي الْوُجُودِ فَهُوَ مُتَنَاهٍ، فَيَكُونُ لَا مَحَالَةَ تَارِكًا التَّفَضُّلَ، فَلَوْ كَانَ تَرْكُ التَّفَضُّلِ بُخْلًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى مَوْصُوفًا بِالْبُخْلِ لَا مَحَالَةَ، تَعَالَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ عُلُوًّا كَبِيرًا. وَرَابِعُهَا:
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنَ الْبُخْلِ»
وَمَعْلُومٌ أَنَّ تَارِكَ التَّطَوُّعِ لَا يَلِيقُ بِهِ هَذَا الْوَصْفُ. وَخَامِسُهَا: أَنَّهُ لَوْ كَانَ تَارِكُ التَّفَضُّلِ بَخِيلًا لَوَجَبَ فِيمَنْ يَمْلِكُ الْمَالَ كُلَّهُ الْعَظِيمَ أَنْ لَا يَتَخَلَّصُ مِنَ الْبُخْلِ إِلَّا بِإِخْرَاجِ الْكُلِّ. وَسَادِسُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ [الْبَقَرَةِ: 3] وَكَلِمَةُ «مِنْ» لِلتَّبْعِيضِ، فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ بَعْضَ مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي صِفَتِهِمْ: أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الْبَقَرَةِ: 5] فَوَصَفَهُمْ بِالْهُدَى وَالْفَلَاحِ، وَلَوْ كَانَ تَارِكُ التَّطَوُّعِ بَخِيلًا مَذْمُومًا لَمَا صَحَّ ذَلِكَ. فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْبُخْلَ عِبَارَةٌ عَنْ تَرْكِ الْوَاجِبِ، إِلَّا أَنَّ الْإِنْفَاقَ الْوَاجِبَ أَقْسَامٌ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا إِنْفَاقُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى أَقَارِبِهِ الَّذِينَ يَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ، وَمِنْهَا مَا يَتَّصِلُ بِأَبْوَابِ الزَّكَاةِ، وَمِنْهَا مَا إِذَا احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى دَفْعِ عَدُوٍّ يَقْصِدُ قَتْلَهُمْ وَمَالَهُمْ، فَهَهُنَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ إِنْفَاقُ الْأَمْوَالِ عَلَى مَنْ يَدْفَعُهُ عَنْهُمْ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى دَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ النَّفْسِ، وَمِنْهَا إِذَا صَارَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مُضْطَرًّا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ مِقْدَارَ مَا يَسْتَبْقِي بِهِ رَمَقَهُ، فَكُلُّ هَذِهِ الاتفاقات مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكُهُ مِنْ بَابِ الْبُخْلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْوَعِيدِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى ظَاهِرِهِ وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى يُطَوِّقُهُمْ بِطَوْقٍ يَكُونُ سَبَبًا لِعَذَابِهِمْ. قِيلَ: إِنَّهُ تَعَالَى يُصَيِّرُ تِلْكَ الْأَمْوَالَ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَيَّاةً تَكُونُ لَهُمْ كَالْأَطْوَاقِ تَلْتَوِي فِي أَعْنَاقِهِمْ، وَيَجُوزُ أَيْضًا أَنْ تَلْتَوِيَ تِلْكَ الْحَيَّاتُ فِي سَائِرِ أَبْدَانِهِمْ، فَأَمَّا مَا يَصِيرُ مِنْ ذَلِكَ فِي أَعْنَاقِهِمْ فَعَلَى جِهَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا الْتَزَمُوا أَدَاءَ الزَّكَاةِ ثُمَّ امْتَنَعُوا عَنْهَا، وَأَمَّا مَا يَلْتَوِي مِنْهَا فِي سَائِرِ أَبْدَانِهِمْ فَعَلَى جِهَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَضُمُّونَ تِلْكَ الْأَمْوَالَ إِلَى أَنْفُسِهِمْ، فَعُوِّضُوا مِنْهَا بِأَنْ جُعِلَتْ حَيَّاتٌ الْتَوَتْ عَلَيْهِمْ كَأَنَّهُمْ قَدِ الْتَزَمُوهَا وَضَمُّوهَا إِلَى أَنْفُسِهِمْ. وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الطَّوْقُ طَوْقًا مِنْ نَارٍ يُجْعَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ [التَّوْبَةِ: 35] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: تُجْعَلُ تِلْكَ الزَّكَاةُ الْمَمْنُوعَةُ فِي عُنُقِهِمْ كَهَيْئَةِ الطَّوْقِ شُجَاعًا ذَا زَبِيبَتَيْنِ يَلْدَغُ بِهِمَا خَدَّيْهِ وَيَقُولُ: أَنَا الزَّكَاةُ الَّتِي بَخِلْتَ فِي الدُّنْيَا بِي.
الْقَوْلُ الثَّانِي: فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: سَيُطَوَّقُونَ قَالَ مُجَاهِدٌ: سَيُكَلَّفُونَ أَنْ يَأْتُوا بِمَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَنَظِيرُهُ مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ وَعَلَى الذين يطوقونه فدية [البقرة: 184] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: يُكَلَّفُونَهُ وَلَا يُطِيقُونَهُ، فَكَذَا قَوْلُهُ: سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَيْ يُؤْمَرُونَ بِأَدَاءِ مَا مَنَعُوا حِينَ لَا يُمْكِنُهُمُ الْإِتْيَانُ بِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ تَوْبِيخًا عَلَى مَعْنَى: هَلَّا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ حِينَ كَانَ مُمْكِنًا.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ قَوْلَهُ: سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ أَيْ سَيَلْزَمُونَ إِثْمَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَهَذَا عَلَى طريق

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 444
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست