responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 441
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ تَعَالَى فِي حَقِّ الْكَافِرِ شَيْءٌ مِنَ النِّعَمِ الدِّينِيَّةِ، وَهَلْ لَهُ فِي حَقِّهِ شَيْءٌ مِنَ النِّعَمِ الدُّنْيَوِيَّةِ، اخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ أَصْحَابِنَا، فَالَّذِينَ قَالُوا لَيْسَ لَهُ فِي حَقِّهِ شَيْءٌ مِنَ/ النِّعَمِ الدُّنْيَوِيَّةِ تَمَسَّكُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَقَالُوا هَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ إِطَالَةَ الْعُمُرِ وَإِيصَالَهُ إِلَى مُرَادَاتِهِ فِي الدُّنْيَا لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا نِعْمَةً، لِأَنَّهُ تَعَالَى نَصَّ عَلَى أَنَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ بِخَيْرٍ، وَالْعَقْلُ أَيْضًا يُقَرِّرُهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ أَطْعَمَ إِنْسَانًا خَبِيصًا مَسْمُومًا فَإِنَّهُ لَا يُعَدُّ ذَلِكَ الْإِطْعَامُ إِنْعَامًا، فَإِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ إِعْطَاءِ نِعَمِ الدُّنْيَا عِقَابَ الآخرة لم يكن شيء منها نعمة حقيقة، وَأَمَّا الْآيَاتُ الْوَارِدَةُ فِي تَكْثِيرِ النِّعَمِ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا يَكُونُ نِعَمًا فِي الظَّاهِرِ، وَأَنَّهُ لَا طَرِيقَ إِلَى التَّوْفِيقِ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ تِلْكَ الْآيَاتِ إِلَّا أَنْ نَقُولَ: تِلْكَ النِّعَمُ نِعَمٌ فِي الظَّاهِرِ وَلَكِنَّهَا نِقَمٌ وَآفَاتٌ فِي الْحَقِيقَةِ وَاللَّهُ أعلم.

[سورة آل عمران (3) : آية 179]
مَا كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى مَا كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ] اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ بَقِيَّةِ الْكَلَامِ فِي قِصَّةِ أُحُدٍ، فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ الْأَحْوَالَ الَّتِي وَقَعَتْ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ مِنَ الْقَتْلِ وَالْهَزِيمَةِ، ثُمَّ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمْ مَعَ مَا كَانَ بِهِمْ مِنَ الْجِرَاحَاتِ إِلَى الْخُرُوجِ لِطَلَبِ الْعَدُوِّ، ثُمَّ دُعَائِهِ إِيَّاهُمْ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى بَدْرٍ الصُّغْرَى لِمَوْعِدِ أَبِي سُفْيَانَ، فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْأَحْوَالِ صَارَ دَلِيلًا عَلَى امْتِيَازِ الْمُؤْمِنِ مِنَ الْمُنَافِقِ، لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ خَافُوا وَرَجَعُوا وَشَمَتُوا بِكَثْرَةِ الْقَتْلَى مِنْكُمْ، ثُمَّ ثَبَّطُوا وَزَهَّدُوا الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الْعَوْدِ إِلَى الْجِهَادِ، فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِي حِكْمَتِهِ أَنْ يَذَرَكُمْ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ اخْتِلَاطِ الْمُنَافِقِينَ بِكُمْ وَإِظْهَارِهِمْ أَنَّهُمْ مِنْكُمْ وَمِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بَلْ كَانَ يَجِبُ فِي حِكْمَتِهِ إِلْقَاءُ هَذِهِ الْحَوَادِثِ وَالْوَقَائِعِ حَتَّى يَحْصُلَ هَذَا الِامْتِيَازُ، فَهَذَا وَجْهُ النَّظْمِ. وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ بِالتَّشْدِيدِ، وَكَذَلِكَ فِي الْأَفْعَالِ وَالْبَاقُونَ يَمِيزَ بِالتَّخْفِيفِ وَفَتْحِ الْيَاءِ الْأُولَى وَكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْيَاءِ الْأَخِيرَةِ، قَالَ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهُمَا لُغَتَانِ يُقَالُ مِزْتُ الشَّيْءَ بَعْضَهُ مِنْ بَعْضٍ فَأَنَا أُمَيِّزُهُ مَيْزًا أَوْ أُمَيِّزُهُ تَمْيِيزًا، وَمِنْهُ
الْحَدِيثُ «مَنْ مَازَ أَذًى عَنْ طَرِيقٍ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ»
وَحُجَّةُ من قرأ بالتخفيف وفتح الباء أَنَّ الْمَيْزَ يُفِيدُ فَائِدَةَ التَّمْيِيزِ وَهُوَ أَخَفُّ/ فِي اللَّفْظِ فَكَانَ أَوْلَى، وَحَكَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: التَّشْدِيدُ لِلْكَثْرَةِ، فَأَمَّا وَاحِدٌ مِنْ وَاحِدٍ فَيَمِيزُ بِالتَّخْفِيفِ، وَاللَّهُ تَعَالَى قَالَ: حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ فَذَكَرَ شَيْئَيْنِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي الْفَرْقِ وَالتَّفْرِيقِ، وَأَيْضًا قَالَ تَعَالَى: وَامْتازُوا الْيَوْمَ [يس: 59] وَهُوَ مُطَاوِعُ الْمَيْزِ، وَحُجَّةُ مَنْ قَرَأَ بِالتَّشْدِيدِ: أَنَّ التَّشْدِيدَ لِلتَّكْثِيرِ وَالْمُبَالَغَةِ، وَفِي المؤمنين والمنافقين كثرة، فلفظ التمييز هاهنا أَوْلَى، وَلَفْظُ الطَّيِّبِ وَالْخَبِيثِ وَإِنْ كَانَ مُفْرَدًا إِلَّا أَنَّهُ لِلْجِنْسِ، فَالْمُرَادُ بِهِمَا جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ لَا اثْنَانِ مِنْهُمَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ اخْتِلَاطِ الْمُؤْمِنِ بِالْمُنَافِقِ وَأَشْبَاهِهِ حَتَّى يُمَيِّزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ، أَيِ الْمُنَافِقَ مِنَ الْمُؤْمِنِ. وَاخْتَلَفُوا بِأَيِّ شَيْءٍ مَيَّزَ بَيْنَهُمْ وَذَكَرُوا وُجُوهًا: أَحَدُهَا: بِإِلْقَاءِ الْمِحَنِ وَالْمَصَائِبِ وَالْقَتْلِ وَالْهَزِيمَةِ، فَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا ثَبَتَ عَلَى إِيمَانِهِ وَعَلَى

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 441
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست