responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 425
وَالْجَوَابُ: هَذَا الدَّلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَتَمَشَّى إِلَّا إِذَا اعْتَرَفْنَا بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّا إِذَا قُلْنَا لَا يَدْخُلُ الشَّيْءُ فِي الْوُجُودِ إِلَّا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، اعْتَرَفْنَا بِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَقْتُلُ الْمُسْلِمَ إِلَّا بِقَضَاءِ اللَّهِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى بَيْنَ الْقَتْلِ وَبَيْنَ الْمَوْتِ فَرْقٌ، فَيَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ أَمَّا إِذَا قُلْنَا بِأَنَّ فِعْلَ الْعَبْدِ لَيْسَ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ وَقَضَائِهِ، كَانَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْقَتْلِ ظَاهِرًا مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْتُمْ، فَتُفْضِي إِلَى فَسَادِ الدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُفْضِيَ إِلَى ذَلِكَ يَكُونُ بَاطِلًا، فَثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْكُلَّ بِقَضَاءِ اللَّهِ. وَقَوْلُهُ: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ يَعْنِي: إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي كَوْنِكُمْ مُشْتَغِلِينَ بِالْحَذَرِ عَنِ الْمَكَارِهِ والوصول إلى المطالب.

[سورة آل عمران (3) : الآيات 169 الى 170]
وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)
[وقوله تَعَالَى وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ] اعْلَمْ أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا ثَبَّطُوا الرَّاغِبِينَ فِي الْجِهَادِ بِأَنْ قَالُوا: الْجِهَادُ يُفْضِي إِلَى الْقَتْلِ، كَمَا قَالُوا فِي حَقِّ مَنْ خَرَجَ إِلَى الْجِهَادِ يَوْمَ أُحُدٍ، وَالْقَتْلُ شَيْءٌ مَكْرُوهٌ، فَوَجَبَ الْحَذَرُ عَنِ الْجِهَادِ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بين أن قولهم:
الجهاد يقضي إِلَى الْقَتْلِ بَاطِلٌ، بِأَنَّ الْقَتْلَ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ كَمَا أَنَّ الْمَوْتَ يَحْصُلُ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، فَمَنْ قَدَّرَ اللَّهُ لَهُ الْقَتْلَ لَا يُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، وَمَنْ لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ الْقَتْلَ لَا خَوْفَ عَلَيْهِ مِنَ الْقَتْلِ، ثُمَّ أَجَابَ عَنْ تِلْكَ الشُّبْهَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِجَوَابٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقَتْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَيْءٌ مَكْرُوهٌ، وَكَيْفَ يُقَالُ ذَلِكَ وَالْمَقْتُولُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَحْيَاهُ اللَّهُ بَعْدَ الْقَتْلِ وَخَصَّهُ بِدَرَجَاتِ الْقُرْبَةِ وَالْكَرَامَةِ، وَأَعْطَاهُ أَفْضَلَ أَنْوَاعِ الرِّزْقِ وَأَوْصَلَهُ إِلَى أَجَلِّ مَرَاتِبِ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ؟ فَأَيُّ عَاقِلٍ يَقُولُ إِنَّ مِثْلَ هَذَا الْقَتْلِ يَكُونُ مَكْرُوهًا، فَهَذَا وَجْهُ النَّظْمِ وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: هَذِهِ الْآيَةُ وَارِدَةٌ فِي شُهَدَاءِ بَدْرٍ وَأُحُدٍ، لِأَنَّ فِي وَقْتِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الشُّهَدَاءِ إِلَّا مَنْ قُتِلَ فِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ، وَالْمُنَافِقُونَ إِنَّمَا يُنَفِّرُونَ الْمُجَاهِدِينَ عَنِ الْجِهَادِ لِئَلَّا يَصِيرُوا مَقْتُولِينَ مِثْلَ مَنْ قُتِلَ فِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَاللَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ فَضَائِلَ مَنْ قُتِلَ فِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ لِيَصِيرَ ذَلِكَ دَاعِيًا لِلْمُسْلِمِينَ إِلَى التَّشَبُّهِ بِمَنْ جَاهَدَ فِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ وَقُتِلَ، وَتَحْقِيقُ الْكَلَامِ أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْجِهَادَ فَرُبَّمَا وَصَلَ إِلَى نَعِيمِ الدُّنْيَا وَرُبَّمَا لَمْ يَصِلْ، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ فَهُوَ حَقِيرٌ وَقَلِيلٌ، وَمَنْ أَقْبَلَ عَلَى الْجِهَادِ فَازَ بِنَعِيمِ الْآخِرَةِ قَطْعًا وَهُوَ نَعِيمٌ عَظِيمٌ، وَمَعَ كَوْنِهِ عَظِيمًا فَهُوَ دَائِمٌ مُقِيمٌ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّ الْإِقْبَالَ عَلَى الْجِهَادِ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ هَؤُلَاءِ الْمَقْتُولِينَ أَحْيَاءً، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ هُوَ الْحَقِيقَةَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ سَيَصِيرُونَ فِي الْآخِرَةِ أَحْيَاءً، أَوِ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ فِي الْحَالِ، وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْمُرَادَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إِثْبَاتَ الْحَيَاةِ الرُّوحَانِيَّةِ أَوْ إِثْبَاتَ الْحَيَاةِ الْجُسْمَانِيَّةِ، فَهَذَا ضَبْطُ الْوُجُوهِ الَّتِي يُمْكِنُ ذِكْرُهَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ.
الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ: أَنَّ تَفْسِيرَ الْآيَةِ بِأَنَّهُمْ سَيَصِيرُونَ فِي الْآخِرَةِ أَحْيَاءً، قَدْ ذَهَبَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ مُتَكَلِّمِي الْمُعْتَزِلَةِ، مِنْهُمْ أَبُو الْقَاسِمِ الْكَعْبِيُّ قَالَ: وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ مَا حَكَى، كَانُوا يَقُولُونَ:
أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَرِّضُونَ أَنْفُسَهُمْ لِلْقَتْلِ فَيُقْتَلُونَ وَيَخْسَرُونَ الْحَيَاةَ وَلَا يَصِلُونَ إِلَى خَيْرٍ، وَإِنَّمَا كانوا يقولون

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 425
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست