responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 414
هَذَا الْمَعْنَى لِهَذِهِ الْقِرَاءَةِ هُوَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُوجَدَ النَّبِيُّ غَالًّا، لِأَنَّهُ يُوجَدُ غَالًّا إِلَّا إِذَا كَانَ غَالًّا.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْغُلُولَ هُوَ الْخِيَانَةُ، إِلَّا أَنَّهُ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ صَارَ مَخْصُوصًا بِالْخِيَانَةِ فِي الْغَنِيمَةِ، وَقَدْ جَاءَ هَذَا أَيْضًا فِي غَيْرِ الْغَنِيمَةِ،
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُنَبِّئَكُمْ بِأَكْبَرِ الْغُلُولِ الرَّجُلَانِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا الدَّارُ وَالْأَرْضُ فَإِنِ اقْتَطَعَ أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ مَوْضِعَ حَصَاةٍ طُوِّقَهَا مِنَ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ»
وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَكُونُ الْمَعْنَى كَوْنُهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ مُبَرَّأً عَنْ جَمِيعِ الْخِيَانَاتِ، وَكَيْفَ لَا نَقُولُ ذَلِكَ وَالْكَفَّارُ كَانُوا يَبْذُلُونَ لَهُ الْأَمْوَالَ الْعَظِيمَةَ لِتَرْكِ ادِّعَاءِ الرِّسَالَةِ فَكَيْفَ يَلِيقُ بِمَنْ كَانَ كَذَلِكَ وَكَانَ أَمِينًا لِلَّهِ فِي الوحي النازل اليه من فوق سبع سموات أَنْ يَخُونَ النَّاسَ! ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَفِيهِ وَجْهَانِ: الْأَوَّلُ: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ/ الْمُفَسِّرِينَ إِجْرَاءُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا، قَالُوا: وَهِيَ نَظِيرُ قَوْلِهِ فِي مَانِعِ الزَّكَاةِ يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا [التَّوْبَةِ: 35] وَيَدُلُّ عَلَيْهِ
قَوْلُهُ: «لَا أُلْفَيَنَّ أَحَدُكُمْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ فَيُنَادِي يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا قَدْ بَلَّغْتُكَ»
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: يُمَثَّلُ لَهُ ذَلِكَ الشَّيْءُ فِي قَعْرِ جَهَنَّمَ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: انْزِلْ إِلَيْهِ فَخُذْهُ فَيَنْزِلُ إِلَيْهِ، فَإِذَا انْتَهَى إِلَيْهِ حَمَلَهُ عَلَى ظَهْرِهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ. قَالَ الْمُحَقِّقُونَ: وَالْفَائِدَةُ فِيهِ أَنَّهُ إِذَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى رَقَبَتِهِ ذَلِكَ الْغُلُولُ ازْدَادَتْ فَضِيحَتُهُ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ ظَاهِرَهُ، بَلِ الْمَقْصُودُ تَشْدِيدُ الْوَعِيدِ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ وَالتَّصْوِيرِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ [لُقْمَانَ: 16] فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ نَفْسَ هَذَا الظَّاهِرِ: بَلِ الْمَقْصُودُ إِثْبَاتُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ وَعَنْ حِفْظِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، فَكَذَا هَاهُنَا الْمَقْصُودُ تَشْدِيدُ الْوَعِيدِ، ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ ذَكَرُوا وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: الْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَحْفَظُ عَلَيْهِ هَذَا الْغُلُولَ وَيُعَزِّرُهُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُجَازِيهِ، لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ. الثَّانِي: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْكَعْبِيُّ: الْمُرَادُ أَنَّهُ يَشْتَهِرُ بِذَلِكَ مِثْلَ اشْتِهَارِ مَنْ يَحْمِلُ ذَلِكَ الشَّيْءَ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ يُحْتَمَلُ إِلَّا أَنَّ الْأَصْلَ الْمُعْتَبَرَ فِي عِلْمِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ يَجِبُ إِجْرَاءُ اللَّفْظِ عَلَى الْحَقِيقَةِ، إِلَّا إِذَا قَامَ دَلِيلٌ يَمْنَعُ مِنْهُ، وَهَاهُنَا لَا مَانِعَ مِنْ هَذَا الظَّاهِرِ، فَوَجَبَ إِثْبَاتُهُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَفِيهِ سُؤَالَانِ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: هَلَّا قِيلَ ثُمَّ يُوَفَّى مَا كَسَبَ لِيَتَّصِلَ بِمَا قَبْلَهُ؟
وَالْجَوَابُ: الْفَائِدَةُ فِي ذِكْرِ هَذَا الْعُمُومِ أَنَّ صَاحِبَ الْغُلُولِ إِذَا عَلِمَ أَنَّ هَاهُنَا مُجَازِيًا يُجَازِي كُلَّ أَحَدٍ عَلَى عَمَلِهِ سَوَاءٌ كَانَ خَيْرًا أَوْ شَرًّا، عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَخَلِّصٍ مِنْ بَيْنِهِمْ مَعَ عِظَمِ مَا اكْتَسَبَ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: الْمُعْتَزِلَةُ يَتَمَسَّكُونَ بِهَذَا فِي إِثْبَاتِ كَوْنِ الْعَبْدِ فَاعِلًا، وَفِي إِثْبَاتِ وَعِيدِ الْفُسَّاقِ.
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّهُ تَعَالَى أَثْبَتَ الْجَزَاءَ عَلَى كَسْبِهِ، فَلَوْ كَانَ كَسْبُهُ خَلْقًا لِلَّهِ لَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى يُجَازِيهِ عَلَى مَا خَلَقَهُ فِيهِ.
وأما الثاني: فلأنه تعالى قال في القائل الْمُتَعَمِّدِ: فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ [النِّسَاءِ: 93] وَأَثْبَتَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ كُلَّ عَامِلٍ يَصِلُ إِلَيْهِ جَزَاؤُهُ فَيَحْصُلُ مِنْ مَجْمُوعِ الْآيَتَيْنِ الْقَطْعُ بِوَعِيدِ الْفُسَّاقِ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 414
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست