responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 408
كَانَ مِنْهُمْ مَنِ الِانْهِزَامِ، فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُطْمِعُ الْعَدُوَّ فِيكَ وَفِيهِمْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اللِّينُ وَالرِّفْقُ إِنَّمَا يَجُوزُ إِذَا لَمْ يُفْضِ إِلَى إِهْمَالِ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ، فَأَمَّا إِذَا أَدَّى إِلَى ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ، قَالَ تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التَّوْبَةِ: 73] وَقَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي إِقَامَةِ حَدِّ الزِّنَا: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ [النُّورِ: 2] .
وَهَاهُنَا دَقِيقَةٌ أُخْرَى: وَهِيَ أَنَّهُ تَعَالَى مَنْعَهُ مِنَ الْغِلْظَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَأَمَرَهُ بِالْغِلْظَةِ في قوله: وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ فههنا نَهَاهُ عَنِ الْغِلْظَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَهُنَاكَ أَمَرَهُ بِالْغِلْظَةِ مَعَ الْكَافِرِينَ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ [الْمَائِدَةِ: 54] وَقَوْلِهِ: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ [الْفَتْحِ: 29] وَتَحْقِيقُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنَّ طَرَفَيِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ مَذْمُومَانِ، وَالْفَضِيلَةُ فِي الْوَسَطِ، فَوُرُودُ الْأَمْرِ بِالتَّغْلِيظِ تَارَةً، وَأُخْرَى بِالنَّهْيِ عَنْهُ، إِنَّمَا كَانَ لِأَجْلِ أَنْ يَتَبَاعَدَ عَنِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ، فَيَبْقَى عَلَى الْوَسَطِ الَّذِي هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، فَلِهَذَا السِّرِّ مَدَحَ اللَّهُ الْوَسَطَ فَقَالَ: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً [الْبَقَرَةِ: 143] .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: أَوَّلُهَا: بِالْعَفْوِ عَنْهُمْ وَفِيهِ مَسَائِلُ.
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَنَّ كَمَالَ حَالِ الْعَبْدِ لَيْسَ إِلَّا فِي أَنْ يَتَخَلَّقَ بِأَخْلَاقِ اللَّهِ تَعَالَى،
قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «تَخَلَّقُوا بِأَخْلَاقِ اللَّهِ»
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا عَفَا عَنْهُمْ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَمَرَ الرَّسُولَ أَيْضًا أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ لِيَحْصُلَ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَضِيلَةُ التَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِ اللَّهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : (فَاعْفُ عَنْهُمْ) فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّكَ (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: ظَاهِرُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ، وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَاعْفُ عَنْهُمْ يَدُلُّ عَلَى التَّعْقِيبِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ فِي الْحَالِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ الرَّحْمَةِ الْإِلَهِيَّةِ حَيْثُ عَفَا هُوَ عَنْهُمْ، ثُمَّ أَوْجَبَ عَلَى رَسُولِهِ أَنْ يَعْفُوَ فِي الْحَالِ عَنْهُمْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ: فَاعْفُ عَنْهُمْ إِيجَابٌ لِلْعَفْوِ عَلَى الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَمَّا آلَ الْأَمْرُ إِلَى الْأُمَّةِ لَمْ يُوجِبْهُ عَلَيْهِمْ، بَلْ نَدَبَهُمْ إِلَيْهِ فَقَالَ تَعَالَى: وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ [آل عمران: 134] لِيَعْلَمَ أَنَّ حَسَنَاتِ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ. وَثَانِيهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى يَعْفُو عَنْ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الِانْهِزَامَ فِي وَقْتِ الْمُحَارَبَةِ كَبِيرَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَى قَوْلِهِ: فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ [الْأَنْفَالِ:
16] فَثَبَتَ أَنَّ انْهِزَامَ أَهْلِ أُحُدٍ كَانَ مِنَ الْكَبَائِرِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى نَصَّ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى أَنَّهُ عَفَا عَنْهُمْ وَأَمَرَ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالْعَفْوِ عَنْهُمْ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ، وَذَلِكَ مِنْ أَدَلِّ الدَّلَائِلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَمْرٌ لَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ لِأَصْحَابِ الْكَبَائِرِ، وَإِذَا أَمَرَهُ بِطَلَبِ الْمَغْفِرَةِ لَا يَجُوزُ أَنْ لَا يُجِيبَهُ إِلَيْهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِالْكَرِيمِ، فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى يُشَفِّعُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدُّنْيَا فِي حَقِّ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ، فَبِأَنْ يُشَفِّعَهُ فِي حَقِّهِمْ فِي الْقِيَامَةِ كَانَ أَوْلَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَفَا عَنْهُمْ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ [آلِ عِمْرَانَ: 155] ثُمَّ أَمَرَ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 408
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست