responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 405
الْإِلَهِيَّةَ تَقْتَضِي هَذَا الْحَشْرَ وَالنَّشْرَ، كَمَا قَالَ: إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى [طه:
15] وَرَابِعُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: تُحْشَرُونَ فِعْلُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، مَعَ أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ الْحَشْرِ هُوَ اللَّهُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقَعِ التَّصْرِيحُ بِهِ لِأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْعَظِيمُ الْكَبِيرُ الَّذِي، شَهِدَتِ الْعُقُولُ بِأَنَّهُ هُوَ اللَّهُ الَّذِي يُبْدِئُ وَيُعِيدُ، وَمِنْهُ الْإِنْشَاءُ وَالْإِعَادَةُ، فَتَرْكُ التَّصْرِيحِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَدَلُّ على العظيمة، ونظيره قوله تعالى: وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ [هُودٍ: 44] وَخَامِسُهَا: أَنَّهُ أَضَافَ حَشْرَهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ، وَذَلِكَ يُنَبِّهُ الْعَقْلَ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الْخَلْقِ مُضْطَرُّونَ فِي قَبْضَةِ الْقُدْرَةِ وَنَفَاذِ الْمَشِيئَةِ، فَهُمْ سَوَاءٌ كَانُوا أَحْيَاءً أَمْ أَمْوَاتًا لَا يَخْرُجُونَ عَنْ قَهْرِ الرُّبُوبِيَّةِ وَكِبْرِيَاءِ الْإِلَهِيَّةِ.
وَسَادِسُهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: تُحْشَرُونَ خِطَابٌ مَعَ الْكُلِّ، فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الْعَالَمِينَ يُحْشَرُونَ وَيُوقَفُونَ فِي عَرْصَةِ الْقِيَامَةِ وَبِسَاطِ الْعَدْلِ، فَيَجْتَمِعُ الْمَظْلُومُ مَعَ الظَّالِمِ، وَالْمَقْتُولُ مَعَ الْقَاتِلِ، وَالْحَقُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَحْكُمُ بَيْنَ عَبِيدِهِ بِالْعَدْلِ الْمُبَرَّأِ عَنِ الْجَوْرِ، كَمَا قَالَ: وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ [الْأَنْبِيَاءِ: 47] فَمَنْ تَأَمَّلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ وَسَاعَدَهُ التَّوْفِيقُ عَلِمَ أَنَّ هَذِهِ الْفَوَائِدَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا كَالْقَطْرَةِ مِنْ بِحَارِ الْأَسْرَارِ الْمُودَعَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَتَمَسَّكَ الْقَاضِي بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ الْمَقْتُولَ لَيْسَ بِمَيِّتٍ، قَالَ: لِأَنَّ قَوْلَهُ:
وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ يَقْتَضِي عَطْفَ الْمَقْتُولِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَعَطْفُ الشيء على نفسه ممتنع.

[سورة آل عمران (3) : آية 159]
فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)
وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا انْهَزَمُوا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ ثُمَّ عَادُوا لَمْ يُخَاطِبْهُمُ الرَّسُولُ صَلَّى الله عليه وسلم بالتغليط وَالتَّشْدِيدِ، وَإِنَّمَا خَاطَبَهُمْ بِالْكَلَامِ اللَّيِّنِ، ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا أَرْشَدَهُمْ فِي الْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ إِلَى مَا يَنْفَعُهُمْ فِي مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ أَنْ عَفَا عَنْهُمْ، زَادَ/ فِي الْفَضْلِ وَالَإِحْسَانِ بِأَنْ مَدَحَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَفْوِهِ عَنْهُمْ، وَتَرْكِهِ التَّغْلِيظَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَمَنْ أَنْصَفَ عَلِمَ أَنَّ هَذَا تَرْتِيبٌ حَسَنٌ فِي الْكَلَامِ. وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّ لِينَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْقَوْمِ عِبَارَةٌ عَنْ حُسْنِ خُلُقِهِ مَعَ الْقَوْمِ قَالَ تَعَالَى: وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشُّعَرَاءِ: 215] وَقَالَ: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ، وَقَالَ:
وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [الْقَلَمِ: 4] وَقَالَ: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ [التَّوْبَةِ: 128]
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «لَا حِلْمَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حِلْمِ إِمَامٍ وَرِفْقِهِ وَلَا جَهْلَ أَبْغَضُ إِلَى اللَّهِ مِنْ جَهْلِ إِمَامٍ وَخَرَقِهِ»
فَلَمَّا كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِمَامَ الْعَالَمِينَ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَهُمْ حِلْمًا وَأَحْسَنَهُمْ خُلُقًا.
وَرُوِيَ أَنَّ امْرَأَةَ عُثْمَانَ دَخَلَتْ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ النَّبِيُّ وَعَلِيٌّ يَغْسِلَانِ السِّلَاحَ، فَقَالَتْ: مَا فَعَلَ ابْنُ عَفَّانَ؟ أَمَا وَاللَّهِ لَا تَجِدُونَهُ أَمَامَ الْقَوْمِ، فَقَالَ لَهَا عَلِيٌّ: أَلَا إِنَّ عُثْمَانَ فَضَحَ الزَّمَانَ الْيَوْمَ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَهْ» وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ حِينَئِذٍ: أَعْيَانِي أَزْوَاجُ الْأَخَوَاتِ أَنْ يَتَحَابُّوا، وَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ عُثْمَانُ مَعَ صَاحِبَيْهِ مَا زَادَ عَلَى أَنْ قَالَ: «لَقَدْ ذَهَبْتُمْ فِيهَا عَرِيضَةً» وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ قَالَ: لَقَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْنَا كُلَّ الْإِحْسَانِ، كُنَّا مُشْرِكِينَ، فَلَوْ جَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ بِهَذَا الدِّينِ جُمْلَةً، وَبِالْقُرْآنِ دُفْعَةً لَثَقُلَتْ هَذِهِ التَّكَالِيفُ عَلَيْنَا، فَمَا كُنَّا نَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ، وَلَكِنَّهُ دَعَانَا إِلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَمَّا قَبِلْنَاهَا وَعَرَفْنَا حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ، قَبِلْنَا مَا وَرَاءَهَا كَلِمَةً بَعْدَ كَلِمَةٍ عَلَى سَبِيلِ الرِّفْقِ إِلَى أَنْ تَمَّ الدِّينُ وَكَمُلَتِ الشَّرِيعَةُ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: «إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ فَإِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْغَائِطِ فَلَا يَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا»
وَاعْلَمْ أَنَّ سِرَّ الْأَمْرِ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 9  صفحه : 405
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست