responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 342
الْمُؤْمِنِ بِطَانَةً لِنَفْسِهِ فَالْأَوَّلُ: قَوْلُهُ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَفِيهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: قَالَ الْمُفَضَّلُ تُحِبُّونَهُمْ تُرِيدُونَ لَهُمُ الْإِسْلَامَ وَهُوَ خَيْرُ الْأَشْيَاءِ وَلا يُحِبُّونَكُمْ لِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بَقَاءَكُمْ عَلَى الْكُفْرِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُوجِبُ الْهَلَاكَ الثَّانِي:
تُحِبُّونَهُمْ بِسَبَبِ مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَالْمُصَاهَرَةِ وَلا يُحِبُّونَكُمْ بِسَبَبِ كَوْنِكُمْ مُسْلِمِينَ الثَّالِثُ:
تُحِبُّونَهُمْ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ أَظْهَرُوا لَكُمُ الْإِيمَانَ وَلا يُحِبُّونَكُمْ بِسَبَبِ أَنَّ الْكُفْرَ مُسْتَقِرٌّ فِي بَاطِنِهِمْ الرَّابِعُ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ تُحِبُّونَهُمْ بِمَعْنَى أَنَّكُمْ لَا تُرِيدُونَ إِلْقَاءَهُمْ فِي الْآفَاتِ وَالْمِحَنِ وَلا يُحِبُّونَكُمْ بِمَعْنَى أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ إِلْقَاءَكُمْ فِي الْآفَاتِ وَالْمِحَنِ وَيَتَرَبَّصُونَ بِكُمُ الدَّوَائِرَ الْخَامِسُ: تُحِبُّونَهُمْ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ يُظْهِرُونَ لَكُمْ مَحَبَّةَ الرَّسُولِ وَمُحِبُّ الْمَحْبُوبِ مَحْبُوبٌ وَلا يُحِبُّونَكُمْ لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ تُحِبُّونَ الرَّسُولَ وَهُمْ يُبْغِضُونَ الرَّسُولَ وَمُحِبُّ الْمَبْغُوضِ مَبْغُوضٌ السَّادِسُ: تُحِبُّونَهُمْ أَيْ تُخَالِطُونَهُمْ، وَتُفْشُونَ إِلَيْهِمْ أَسْرَارَكُمْ فِي أُمُورِ دِينِكُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ أَيْ لَا يَفْعَلُونَ مِثْلَ ذَلِكَ بِكُمْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْوُجُوهَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا إِشَارَةٌ إِلَى الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِكَوْنِ الْمُؤْمِنِينَ يُحِبُّونَهُمْ وَلِكَوْنِهِمْ يُبْغِضُونَ الْمُؤْمِنِينَ، فَالْكُلُّ دَاخِلٌ تَحْتِ الْآيَةِ، وَلَمَّا عَرَّفَهُمْ تَعَالَى كَوْنَهُمْ مُبْغِضِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَعَرَّفَهُمْ أَنَّهُمْ مُبْطِلُونَ فِي ذَلِكَ الْبُغْضِ صَارَ ذَلِكَ دَاعِيًا مِنْ حَيْثُ الطَّبْعِ، وَمِنْ حَيْثُ الشَّرْعِ إِلَى أَنْ يَصِيرَ الْمُؤْمِنُونَ مُبْغِضِينَ لهؤلاء المنافقين.
والسبب الثاني لذلك: لِذَلِكَ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي الْآيَةِ إِضْمَارٌ، وَالتَّقْدِيرُ: وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ، وَحَسُنَ الْحَذْفُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الضِّدَّيْنِ يُعْلَمَانِ مَعًا فَكَانَ ذِكْرُ أَحَدِهِمَا مُغْنِيًا عَنْ ذِكْرِ الْآخَرِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: ذَكَرَ (الْكِتَابَ) بِلَفْظِ الْوَاحِدِ لِوُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّهُ ذَهَبَ بِهِ مَذْهَبَ الْجِنْسِ كَقَوْلِهِمْ: كَثُرَ الدِّرْهَمُ فِي أَيْدِي النَّاسِ وَثَانِيهَا: أَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يُجْمَعُ إِلَّا عَلَى التَّأْوِيلِ، فَلِهَذَا لَمْ يَقُلِ الْكُتُبَ بَدَلًا مِنَ الْكِتَابِ، وَإِنْ كَانَ لَوْ قَالَهُ لَجَازَ تَوَسُّعًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: أَنَّكُمْ تُؤْمِنُونَ بِكُتُبِهِمْ كُلِّهَا وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يُبْغِضُونَكُمْ فَمَا بَالُكُمْ مَعَ ذَلِكَ تُحِبُّونَهُمْ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِشَيْءٍ مِنْ كِتَابِكُمْ، وَفِيهِ تَوْبِيخٌ شَدِيدٌ بِأَنَّهُمْ فِي بَاطِلِهِمْ أَصْلَبُ مِنْكُمْ فِي حَقِّكُمْ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ [النِّسَاءِ: 104] .
السَّبَبُ الثَّالِثُ لِقُبْحِ هَذِهِ الْمُخَالَطَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ إِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ أَظْهَرُوا شِدَّةَ الْعَدَاوَةِ، وَشِدَّةَ الْغَيْظِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى تَبْلُغَ تِلْكَ الشِّدَّةُ إِلَى عَضِّ الْأَنَامِلِ، كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ أَحَدُنَا إِذَا اشْتَدَّ غَيْظُهُ وَعَظُمَ حُزْنُهُ عَلَى فَوَاتِ مَطْلُوبِهِ، وَلَمَّا كَثُرَ هَذَا الْفِعْلُ مِنَ الْغَضْبَانِ، صَارَ ذَلِكَ كِنَايَةً عَنِ الْغَضَبِ حَتَّى يُقَالَ فِي الْغَضْبَانِ: إِنَّهُ يَعَضُّ يَدَهُ غَيْظًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَضٌّ، قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: وَإِنَّمَا حَصَلَ لَهُمْ هَذَا الْغَيْظُ الشَّدِيدُ لِمَا رَأَوْا مِنَ ائْتِلَافِ الْمُؤْمِنِينَ وَاجْتِمَاعِ كَلِمَتِهِمْ وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ وَهُوَ دُعَاءٌ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يَزْدَادَ غَيْظُهُمْ حَتَّى يَهْلَكُوا بِهِ، وَالْمُرَادُ مِنَ ازْدِيَادِ الْغَيْظِ ازْدِيَادُ مَا يُوجِبُ لَهُمْ ذَلِكَ الْغَيْظَ مِنْ قُوَّةِ الْإِسْلَامِ وَعِزَّةِ أَهْلِهِ وَمَا لَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنَ الذُّلِّ وَالْخِزْيِ.
فَإِنْ قِيلَ: قَوْلُهُ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ أَمْرٌ لَهُمْ بِالْإِقَامَةِ عَلَى الْغَيْظِ، وَذَلِكَ الْغَيْظُ كُفْرٌ، فَكَانَ هَذَا أَمْرًا بِالْإِقَامَةِ عَلَى الْكُفْرِ وَذَلِكَ غير جائز.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 342
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست