responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 336
وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَرِءْياً [مَرْيَمَ: 74] / وَقَوْلُهُ فَلْيَدْعُ نادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ [الْعَلَقِ: 17، 18] وَثَالِثُهَا: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي سُفْيَانَ، فَإِنَّهُ أَنْفَقَ مَالًا كَثِيرًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ فِي عَدَاوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْكُفَّارِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ كَانُوا يَتَعَزَّزُونَ بِكَثْرَةِ الْأَمْوَالِ، وَكَانُوا يُعَيِّرُونَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَتْبَاعَهُ بِالْفَقْرِ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ شُبَهِهِمْ أَنْ قَالُوا: لَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ عَلَى الْحَقِّ لَمَا تَرَكَهُ رَبُّهُ فِي هَذَا الْفَقْرِ وَالشِّدَّةِ وَلِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ، وَلَا دَلِيلَ يُوجِبُ التَّخْصِيصَ فَوَجَبَ إِجْرَاؤُهُ عَلَى عُمُومِهِ، وَلِلْأَوَّلِينَ أَنْ يَقُولُوا: إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ بَعْدَ هَذِهِ الآيةثَلُ ما يُنْفِقُونَ
[آل عمران: 177] فالضمير في قوله نْفِقُونَ
عَائِدٌ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ، وَهُوَ قَوْلُهُ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ثم إن قوله نْفِقُونَ
مَخْصُوصٌ بِبَعْضِ الْكُفَّارِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَيْضًا مَخْصُوصًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِنَّمَا خَصَّ تَعَالَى الْأَمْوَالَ وَالْأَوْلَادَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ أَنْفَعَ الْجَمَادَاتِ هُوَ الْأَمْوَالُ وَأَنْفَعَ الْحَيَوَانَاتِ هُوَ الْوَلَدُ، ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَنْتَفِعُ بِهِمَا أَلْبَتَّةَ فِي الْآخِرَةِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ انْتِفَاعِهِ بِسَائِرِ الْأَشْيَاءِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشُّعَرَاءِ: 88، 89] وَقَوْلُهُ وَاتَّقُوا يَوْماً لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً [الْبَقَرَةِ: 48] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ [آلِ عِمْرَانَ: 91] وَقَوْلُهُ وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى [سَبَأٍ: 37] وَلَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ لَا انْتِفَاعَ لَهُمْ بِأَمْوَالِهِمْ وَلَا بِأَوْلَادِهِمْ، قَالَ: وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ.
وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ فُسَّاقَ أَهْلِ الصَّلَاةِ لَا يَبْقَوْنَ فِي النَّارِ أَبَدًا فَقَالُوا قَوْلُهُ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ كَلِمَةٌ تُفِيدُ الْحَصْرَ فَإِنَّهُ يُقَالُ: أُولَئِكَ أَصْحَابُ زَيْدٍ لَا غَيْرُهُمْ وَهُمُ الْمُنْتَفِعُونَ بِهِ لَا غَيْرُهُمْ وَلَمَّا أَفَادَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ مَعْنَى الْحَصْرِ ثَبَتَ أَنَّ الْخُلُودَ فِي النَّارِ لَيْسَ إِلَّا لِلْكَافِرِ.

[سورة آل عمران (3) : آية 117]
مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117)
[في قوله تعالى ثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ
] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ أَمْوَالَ الْكُفَّارِ لَا تُغْنِي عَنْهُمْ شَيْئًا، ثُمَّ إِنَّهُمْ رُبَّمَا أَنْفَقُوا أَمْوَالَهُمْ/ فِي وُجُوهِ الْخَيْرَاتِ، فَيَخْطُرُ بِبَالِ الْإِنْسَانِ أَنَّهُمْ يَنْتَفِعُونَ بِذَلِكَ، فَأَزَالَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذِهِ الْآيَةِ تِلْكَ الشُّبْهَةَ، وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ لَا يَنْتَفِعُونَ بِتِلْكَ الْإِنْفَاقَاتِ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ قَصَدُوا بِهَا وَجْهَ اللَّهِ.
وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْمَثَلُ الشَّبَهُ الَّذِي يَصِيرُ كَالْعَلَمِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِيمَا يُشَبَّهُ بِهِ وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ كُفْرَهُمْ يُبْطِلُ ثَوَابَ نَفَقَتِهِمْ، كَمَا أَنَّ الرِّيحَ الْبَارِدَةَ تُهْلِكُ الزَّرْعَ.
فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مَثَلُ إِنْفَاقِهِمْ هُوَ الْحَرْثُ الَّذِي هَلَكَ، فَكَيْفَ شَبَّهَ الْإِنْفَاقَ بِالرِّيحِ الْبَارِدَةِ الْمُهْلِكَةِ.
قُلْنَا: الْمَثَلُ قِسْمَانِ مِنْهُ مَا حَصَلَتْ فِيهِ الْمُشَابَهَةُ بَيْنَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْجُمْلَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ تَحْصُلِ الْمُشَابَهَةُ بَيْنَ أَجْزَاءِ الْجُمْلَتَيْنِ، وَهَذَا هُوَ الْمُسَمَّى بِالتَّشْبِيهِ الْمُرَكَّبِ، وَمِنْهُ مَا حَصَلَتِ الْمُشَابَهَةُ فِيهِ بَيْنَ الْمَقْصُودِ مِنَ الْجُمْلَتَيْنِ، وَبَيْنَ أَجْزَاءِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فَإِذَا جَعَلْنَا هَذَا الْمَثَلَ مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ زَالَ السُّؤَالُ، وَإِنْ جَعَلْنَاهُ مِنَ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 336
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست