responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 329
حَمَلْنَا الْكَلَامَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ: لَكِنْ قَدْ يَعْتَصِمُونَ بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ لَمْ يَتِمَّ هَذَا الْقَدْرُ فَلَا بُدَّ مِنْ إِضْمَارِ الشَّيْءِ الَّذِي يَعْتَصِمُونَ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَجْلِ الْحَذَرِ عَنْهُ وَالْإِضْمَارُ خِلَافُ الْأَصْلِ، فَلَا يُصَارُ إِلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ فَإِذَا كَانَ لَا ضَرُورَةَ هَاهُنَا إِلَى ذَلِكَ كَانَ المصير إليه غير جائز، بل هاهنا وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يُحْمَلَ الذِّلَّةُ عَلَى كُلِّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَعْنِي: الْقَتْلَ، وَالْأَسْرَ، وَسَبْيَ الذَّرَارِيِّ، وَأَخْذَ الْمَالِ، وَإِلْحَاقَ الصَّغَارِ، وَالْمَهَانَةَ، وَيَكُونُ فَائِدَةُ الِاسْتِثْنَاءِ هُوَ أَنَّهُ لَا يَبْقَى مَجْمُوعُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ، وَذَلِكَ لَا يُنَافِي بَقَاءَ بَعْضِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ، وَهُوَ أَخْذُ الْقَلِيلِ مِنْ أَمْوَالِهِمُ الَّذِي هُوَ مُسَمًّى بِالْجِزْيَةِ، وَبَقَاءُ الْمَهَانَةِ وَالْحَقَارَةِ وَالصَّغَارِ فِيهِمْ، فَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَقَوْلُهُ أَيْنَما ثُقِفُوا أَيْ وُجِدُوا وَصُودِفُوا، يُقَالُ: ثَقِفْتُ فُلَانًا فِي الْحَرْبِ أَيْ أَدْرَكْتُهُ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِيهِ عِنْدَ قَوْلِهِ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ [الْبَقَرَةِ: 191] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْلُهُ إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ فِيهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: قَالَ الْفَرَّاءُ: التَّقْدِيرُ إِلَّا أَنْ يَعْتَصِمُوا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ، وَأَنْشَدَ عَلَى ذَلِكَ:
رَأَتْنِي بِحَبْلِهَا فَصَدَّتْ مَخَافَةً ... وَفِي الْحَبْلِ رَوْعَاءُ الْفُؤَادِ فَرُوقُ
وَاعْتَرَضُوا عَلَيْهِ، فَقَالُوا: لَا يَجُوزُ حَذْفُ الْمَوْصُولِ وَإِبْقَاءُ صِلَتِهِ، لِأَنَّ الْمَوْصُولَ هُوَ الْأَصْلُ وَالصِّلَةُ فَرْعٌ فَيَجُوزُ حَذْفُ الْفَرْعِ لِدَلَالَةِ الْأَصْلِ عَلَيْهِ، أَمَّا حَذْفُ الْأَصْلِ وَإِبْقَاءُ الْفَرْعِ فَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءَ وَاقِعٌ عَلَى طَرِيقِ الْمَعْنَى، لِأَنَّ مَعْنَى ضَرْبِ الذِّلَّةِ لُزُومُهَا إِيَّاهُمْ عَلَى أَشَدِّ الْوُجُوهِ بِحَيْثُ لَا تُفَارِقُهُمْ وَلَا تَنْفَكُّ عَنْهُمْ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ:
لَا تَنْفَكُّ عَنْهُمُ الذِّلَّةُ، وَلَنْ يَتَخَلَّصُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ بِمَعْنَى (مَعَ) كَقَوْلِهِمْ:
اخْرُجْ بِنَا نَفْعَلْ كَذَا، أَيْ مَعَنَا، وَالتَّقْدِيرُ: إِلَّا مَعَ حَبْلٍ مِنَ اللَّهِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: الْمُرَادُ مِنْ حَبْلِ اللَّهِ عَهْدُهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَهْدَ إِنَّمَا سُمِّيَ بِالْحَبْلِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَمَّا كَانَ قَبْلَ الْعَهْدِ خَائِفًا، صَارَ ذَلِكَ الْخَوْفُ مَانِعًا لَهُ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى مَطْلُوبِهِ، فَإِذَا حَصَلَ الْعَهْدُ تَوَصَّلَ بِذَلِكَ الْعَهْدِ إِلَى الْوُصُولِ إِلَى مَطْلُوبِهِ، فَصَارَ ذَلِكَ شَبِيهًا بِالْحَبْلِ الَّذِي مَنْ تَمَسَّكَ بِهِ تَخَلَّصَ مِنْ خَوْفِ الضَّرَرِ.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ عَطَفَ عَلَى حَبْلِ اللَّهِ حَبْلًا مِنَ النَّاسِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ فَكَيْفَ هَذِهِ الْمُغَايَرَةُ؟
قُلْنَا: قَالَ بَعْضُهُمْ: حَبْلُ اللَّهِ هُوَ الْإِسْلَامُ، وَحَبْلُ النَّاسِ هُوَ الْعَهْدُ وَالذِّمَّةُ، وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ ذَلِكَ لَقَالَ: أَوْ حبل من الناس، وقال آخرون: المراد بكلام الْحَبْلَيْنِ الْعَهْدُ وَالذِّمَّةُ وَالْأَمَانُ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ تَعَالَى الْحَبْلَيْنِ لِأَنَّ الْأَمَانَ الْمَأْخُوذَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ الْأَمَانُ الْمَأْخُوذُ بِإِذْنِ اللَّهِ وَهَذَا عِنْدِي أَيْضًا ضَعِيفٌ، وَالَّذِي عِنْدِي فِيهِ أَنَّ الْأَمَانَ الْحَاصِلَ لِلذِّمِّيِّ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا: الَّذِي نَصَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وهو أخد الْجِزْيَةِ وَالثَّانِي: الَّذِي فُوِّضَ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ فَيُزِيدُ فِيهِ تَارَةً وَيُنْقِصُ بِحَسَبِ الِاجْتِهَادِ فَالْأَوَّلُ: هُوَ الْمُسَمَّى بِحَبْلِ اللَّهِ وَالثَّانِي: هُوَ الْمُسَمَّى بحبل المؤمنين والله أعلم.
ثم قال: وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَعْنَاهُ: أَنَّهُمْ مَكَثُوا، وَلَبِثُوا وَدَامُوا فِي غَضَبِ اللَّهِ، وَأَصْلُ ذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْبَوْءِ وَهُوَ الْمَكَانُ، وَمِنْهُ: تَبَوَّأَ فُلَانٌ مَنْزِلَ كَذَا وَبَوَّأْتُهُ إِيَّاهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ مَكَثُوا فِي غَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَحَلُّوا فِيهِ، وَسَوَاءٌ قَوْلُكَ: حَلَّ بِهِمُ الْغَضَبُ وَحَلُّوا بِهِ.
ثُمَّ قَالَ: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ وَالْأَكْثَرُونَ حَمَلُوا الْمَسْكَنَةَ عَلَى الْجِزْيَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ قَالَ وَذَلِكَ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 329
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست