responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 326
سَائِرِ الشَّرَائِعِ، لَا جَرَمَ صَارَ ذَلِكَ مُوجِبًا لِفَضْلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ، وَهَذَا مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: قَوْلُهُ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيُقِرُّوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَتُقَاتِلُونَهُمْ عَلَيْهِ وَ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» أَعْظَمُ الْمَعْرُوفِ، وَالتَّكْذِيبُ هُوَ أَنْكَرُ الْمُنْكَرِ.
ثُمَّ قَالَ الْقَفَّالُ: فَائِدَةُ الْقِتَالِ عَلَى الدِّينِ لَا يُنْكِرُهُ مُنْصِفٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يُحِبُّونَ أَدْيَانَهُمْ بِسَبَبِ الْأُلْفِ وَالْعَادَةِ، وَلَا يَتَأَمَّلُونَ فِي الدَّلَائِلِ الَّتِي تُورَدُ عَلَيْهِمْ فَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى الدُّخُولِ فِي الدِّينِ بِالتَّخْوِيفِ بِالْقَتْلِ دَخَلَ فِيهِ، ثُمَّ لَا يَزَالُ يَضْعُفُ مَا فِي قَلْبِهِ مِنْ حُبِّ الدِّينِ الْبَاطِلِ، وَلَا يَزَالُ يَقْوَى فِي قَلْبِهِ حُبُّ الدِّينِ الْحَقِّ إِلَى أَنْ يَنْتَقِلَ مِنَ الْبَاطِلِ إِلَى الْحَقِّ، وَمِنَ اسْتِحْقَاقِ الْعَذَابِ الدَّائِمِ إِلَى اسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ الدَّائِمِ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: لِمَ قُدِّمَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ عَلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ فِي الذِّكْرِ مَعَ أَنَّ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُقَدَّمًا عَلَى كُلِّ الطَّاعَاتِ؟.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ أَمْرٌ مُشْتَرَكٌ فِيهِ بَيْنَ جَمِيعِ الْأُمَمِ الْمُحِقَّةِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى فَضَّلَ هَذِهِ الْأُمَّةَ عَلَى سَائِرِ الْأُمَمِ الْمُحِقَّةِ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَثِّرُ فِي حُصُولِ هَذِهِ الْخَيْرِيَّةِ هُوَ الْإِيمَانُ الَّذِي هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْكُلِّ، بَلِ الْمُؤَثِّرُ فِي حُصُولِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ هُوَ كَوْنُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَقْوَى حَالًا فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ، فَإِذَنِ الْمُؤَثِّرُ فِي حُصُولِ هَذِهِ الْخَيْرِيَّةِ هُوَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَمَّا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ فَهُوَ شَرْطٌ لِتَأْثِيرِ هَذَا الْمُؤَثِّرِ فِي هَذَا الْحُكْمِ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يُوجَدِ الْإِيمَانُ لَمْ يَصِرْ شَيْءٌ مِنَ الطَّاعَاتِ مُؤَثِّرًا فِي صِفَةِ الْخَيْرِيَّةِ، فَثَبَتَ أَنَّ الْمُوجِبَ لِهَذِهِ الْخَيْرِيَّةِ هُوَ كَوْنُهُمْ آمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ نَاهِينَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَمَّا إِيمَانُهُمْ فَذَاكَ شَرْطُ التَّأْثِيرِ، وَالْمُؤَثِّرُ أَلْصَقُ/ بِالْأَثَرِ مِنْ شَرْطِ التَّأْثِيرِ، فَلِهَذَا السَّبَبِ قَدَّمَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ عَلَى ذِكْرِ الْإِيمَانِ.
السُّؤَالُ الثَّالِثُ: لِمَ اكْتَفَى بِذِكْرِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْإِيمَانَ بِالنُّبُوَّةِ مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ.
وَالْجَوَابُ: الْإِيمَانُ بِاللَّهِ يَسْتَلْزِمُ الْإِيمَانَ بِالنُّبُوَّةِ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا إِذَا حَصَلَ الْإِيمَانُ بِكَوْنِهِ صَادِقًا، وَالْإِيمَانُ بِكَوْنِهِ صَادِقًا لَا يَحْصُلُ إِلَّا إِذَا كَانَ الَّذِي أَظْهَرَ الْمُعْجِزَ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ صَادِقًا لِأَنَّ الْمُعْجِزَ قَائِمٌ مَقَامَ التَّصْدِيقِ بِالْقَوْلِ، فَلَمَّا شَاهَدْنَا ظُهُورَ الْمُعْجِزِ عَلَى وَفْقِ دَعْوَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنْ ضَرُورَةِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ الْإِيمَانُ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ الِاقْتِصَارُ عَلَى ذِكْرِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ تَنْبِيهًا عَلَى هَذِهِ الدَّقِيقَةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَفِيهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ بِهَذَا الدِّينِ الَّذِي لِأَجْلِهِ حَصَلَتْ صِفَةُ الْخَيْرِيَّةِ لِأَتْبَاعِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَحَصَلَتْ هَذِهِ الْخَيْرِيَّةُ أَيْضًا لَهُمْ، فَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ تَرْغِيبُ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي هَذَا الدِّينِ الثَّانِي: أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ إِنَّمَا آثَرُوا دِينَهُمْ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ حُبًّا لِلرِّيَاسَةِ وَاسْتِتْبَاعِ الْعُلُومِ وَلَوْ آمَنُوا لَحَصَلَتْ لَهُمْ هَذِهِ الرِّيَاسَةُ فِي الدُّنْيَا مَعَ الثَّوَابِ الْعَظِيمِ فِي الْآخِرَةِ، فَكَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لَهُمْ مِمَّا قَنِعُوا بِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى أَتْبَعَ هَذَا الْكَلَامَ بِجُمْلَتَيْنِ عَلَى سَبِيلِ الِابْتِدَاءِ مِنْ غَيْرِ عَاطِفٍ إِحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ [آل عمران: 110] وَثَانِيَتُهُمَا: قَوْلُهُ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : هُمَا كَلَامَانِ وَارِدَانِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِطْرَادِ عِنْدَ إِجْرَاءِ ذِكْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ: وَعَلَى ذِكْرِ فُلَانٍ فَإِنَّ مِنْ شَأْنِهِ كَيْتُ وَكَيْتُ، وَلِذَلِكَ جَاءَ آمَنَ غَيْرَ عاطف.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 326
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست