responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 324
وَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّ قَوْلَهُ (كَانَ) عِبَارَةٌ عَنْ وُجُودِ الشَّيْءِ فِي زَمَانٍ مَاضٍ عَلَى سَبِيلِ الْإِبْهَامِ، وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى انْقِطَاعٍ طَارِئٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً [نوح: 10] قوله وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفتح: 14] إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ: لِلْمُفَسِّرِينَ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَقْوَالٌ أَحَدُهَا: كُنْتُمْ فِي عِلْمِ اللَّهِ خَيْرَ أُمَّةٍ وَثَانِيهَا: كُنْتُمْ فِي الْأُمَمِ الَّذِينَ كَانُوا قَبْلَكُمْ مَذْكُورِينَ بِأَنَّكُمْ خَيْرُ أُمَّةٍ وَهُوَ كَقَوْلِهِ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ [الْفَتْحِ: 29] إِلَى قَوْلِهِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ [الْفَتْحِ: 29] فَشِدَّتُهُمْ عَلَى الْكُفَّارِ أَمْرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيُهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَثَالِثُهَا:
كُنْتُمْ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَوْصُوفِينَ بِأَنَّكُمْ خَيْرُ أُمَّةٍ وَرَابِعُهَا: كُنْتُمْ مُنْذُ آمَنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ وَخَامِسُهَا: قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ قَوْلُهُ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ تَابِعٌ لِقَوْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ [آل عمران: 107] وَالتَّقْدِيرُ: أَنَّهُ يُقَالُ لَهُمْ عِنْدَ الْخُلُودِ فِي الْجَنَّةِ: كُنْتُمْ فِي دُنْيَاكُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ فَاسْتَحَقَّيْتُمْ مَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الرَّحْمَةِ وَبَيَاضِ الْوَجْهِ بِسَبَبِهِ، وَيَكُونُ مَا عُرِضَ بَيْنَ أَوَّلِ الْقِصَّةِ وَآخِرِهَا كَمَا لَا يَزَالُ يُعْرَضُ فِي الْقُرْآنِ مِنْ مِثْلِهِ وَسَادِسُهَا: قَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَقَالَ (أَنْتُمْ) وَكَانَ هَذَا التَّشْرِيفُ حَاصِلًا لِكُلِّنَا وَلَكِنَّ قَوْلَهُ كُنْتُمْ مَخْصُوصٌ بِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ مِنْ أَصْحَابِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمُ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ، وَمَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعُوا وَسَابِعُهَا: كُنْتُمْ مُذْ آمَنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مَوْصُوفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ مُذْ كَانُوا.
الِاحْتِمَالُ الثَّالِثُ: أَنْ يُقَالَ (كَانَ) هَاهُنَا زَائِدَةٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُهُ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ هُوَ كَقَوْلِهِ وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ [الْأَعْرَافِ: 86] وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ [الْأَنْفَالِ: 26] وَإِضْمَارُ كَانَ وَإِظْهَارُهَا سَوَاءٌ إِلَّا أَنَّهَا تُذْكَرُ لِلتَّأْكِيدِ وَوُقُوعِ الْأَمْرِ لَا مَحَالَةَ: قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: هَذَا الْقَوْلُ ظَاهِرُ الِاخْتِلَالِ، لِأَنَّ (كَانَ) تُلْغَى مُتَوَسِّطَةً وَمُؤَخَّرَةً، وَلَا تُلْغَى مُتَقَدِّمَةً، تَقُولُ الْعَرَبُ: عَبْدُ اللَّهِ كَانَ قَائِمٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ قَائِمٌ كَانَ عَلَى أَنَّ كَانَ مُلْغَاةٌ، وَلَا يَقُولُونَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ قَائِمٌ عَلَى إِلْغَائِهَا، لِأَنَّ سبيلهم أن يبدؤا بِمَا تَنْصَرِفُ الْعِنَايَةُ إِلَيْهِ، وَالْمُلْغَى لَا يَكُونُ فِي مَحَلِّ الْعِنَايَةِ، وَأَيْضًا لَا يَجُوزُ إِلْغَاءُ الْكَوْنِ فِي الْآيَةِ لِانْتِصَابِ خَبَرِهِ، وَإِذَا عَمِلَ الْكَوْنُ فِي الْخَبَرِ فَنَصَبَهُ لَمْ يَكُنْ مُلْغًى.
الِاحْتِمَالُ الرَّابِعُ: أَنْ تَكُونَ (كَانَ) بِمَعْنَى صَارَ، فَقَوْلُهُ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ مَعْنَاهُ صِرْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَيْ صِرْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ بِسَبَبِ كَوْنِكُمْ آمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَاهِينَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ.
ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ يَعْنِي كَمَا أَنَّكُمُ اكْتَسَبْتُمْ هَذِهِ الْخَيْرِيَّةَ بِسَبَبِ هَذِهِ الْخِصَالِ، فَأَهْلُ الْكِتَابِ لَوْ آمَنُوا لَحَصَلَتْ لَهُمْ أَيْضًا صِفَةُ الْخَيْرِيَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ إِجْمَاعَ الْأُمَّةِ حُجَّةٌ، وَتَقْرِيرُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ [الْأَعْرَافِ: 159] ثُمَّ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ فَوَجَبَ/ بِحُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ أَفْضَلَ مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ مِنْ قَوْمِ مُوسَى، وَإِذَا كَانَ هَؤُلَاءِ أَفْضَلَ مِنْهُمْ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأُمَّةُ لَا تَحْكُمُ إِلَّا بِالْحَقِّ إِذْ لَوْ جَازَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ تَحْكُمَ بِمَا لَيْسَ بِحَقٍّ لَامْتَنَعَ كَوْنُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَفْضَلَ مِنَ الْأُمَّةِ الَّتِي تُهْدِي بِالْحَقِّ، لِأَنَّ الْمُبْطِلَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ خَيْرًا مِنَ الْمُحِقِّ، فَثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ لَا تَحْكُمُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ إجماعهم حجة.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 324
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست