responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 306
الْمَنَافِعِ فِيهِ، أَمَّا الْآتِي بِالنَّوْعِ الثَّانِي فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِ إِلَّا لِمُجَرَّدِ الِانْقِيَادِ وَالطَّاعَةِ وَالْعُبُودِيَّةِ، فَلِأَجْلِ هَذَا الْمَعْنَى اشْتَمَلَ الْأَمْرُ بِالْحَجِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنْوَاعٍ كَثِيرَةٍ مِنَ التَّوْكِيدِ أَحَدُهَا: قَوْلُهُ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لِكَوْنِهِ إِلَهًا أَلْزَمَ عَبِيدَهُ هَذِهِ الطَّاعَةَ فَيَجِبُ الِانْقِيَادُ سَوَاءٌ عَرَفُوا وَجْهَ الْحِكْمَةِ فِيهَا أَوْ لَمْ يَعْرِفُوا وَثَانِيهَا: أَنَّهُ ذَكَرَ النَّاسِ ثُمَّ أَبْدَلَ مِنْهُ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَفِيهِ ضَرْبَانِ مِنَ التَّأْكِيدِ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْإِبْدَالَ تَثْنِيَةٌ لِلْمُرَادِ وَتَكْرِيرٌ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ الْعِنَايَةِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ أَجْمَلَ أَوَّلًا وَفَصَّلَ ثَانِيًا وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ الِاهْتِمَامِ وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ عَبَّرَ عَنْ هَذَا الْوُجُوبِ بِعِبَارَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا: لَامُ الْمِلْكِ فِي قَوْلِهِ وَلِلَّهِ وَثَانِيَتُهُمَا:
كَلِمَةُ (عَلَى) وَهِيَ لِلْوُجُوبِ فِي قَوْلِهِ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ وَرَابِعُهَا: أَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ يَقْتَضِي إِيجَابَهُ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ يَسْتَطِيعُهُ، وَتَعْمِيمُ التَّكْلِيفِ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ الِاهْتِمَامِ وَخَامِسُهَا: أَنَّهُ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ مَكَانَ، وَمَنْ لَمْ يَحُجَّ وَهَذَا تَغْلِيظٌ شَدِيدٌ فِي حَقِّ تَارِكِ الْحَجِّ وَسَادِسُهَا: ذِكْرُ الِاسْتِغْنَاءِ وَذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْمَقْتِ وَالسُّخْطِ وَالْخِذْلَانِ وَسَابِعُهَا: قَوْلُهُ عَنِ الْعالَمِينَ وَلَمْ يَقُلْ عَنْهُ لِأَنَّ الْمُسْتَغْنِيَ عَنْ كُلِّ الْعَالَمِينَ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُسْتَغْنِيًا عَنْ ذَلِكَ الْإِنْسَانِ الْوَاحِدِ وَعَنْ طَاعَتِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ أَدَلُّ عَلَى السُّخْطِ وَثَامِنُهَا: أَنَّ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ قَالَ: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ فَبَيَّنَ أَنَّ هَذَا الْإِيجَابَ كَانَ لِمُجَرَّدِ عِزَّةِ الْإِلَهِيَّةِ وَكِبْرِيَاءِ الرُّبُوبِيَّةِ، لَا لِجَرِّ نَفْعٍ وَلَا لِدَفْعِ ضُرٍّ، ثُمَّ أَكَّدَ هَذَا فِي آخِرِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ وَمِمَّا يَدُلُّ مِنَ الْأَخْبَارِ عَلَى تَأْكِيدِ الْأَمْرِ بِالْحَجِّ،
قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «حُجُّوا قَبْلَ أَنْ لَا تَحُجُّوا فَإِنَّهُ قَدْ هُدِمَ الْبَيْتُ مَرَّتَيْنِ وَيُرْفَعُ فِي الثَّالِثِ»
وَرُوِيَ «حُجُّوا قَبْلَ أَنْ لَا تَحُجُّوا حُجُّوا قَبْلَ أَنْ يَمْنَعَ الْبَرُّ جَانِبَهُ»
قِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْكُمُ السَّفَرُ فِي الْبَرِّ فِي مَكَّةَ لِعَدَمِ الْأَمْنِ أَوْ غَيْرِهِ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ «حُجُّوا هَذَا الْبَيْتَ قَبْلَ أَنْ تَنْبُتَ فِي الْبَادِيَةِ شَجَرَةٌ لا تأكل منها دابة إلا هلكت» .

[سورة آل عمران (3) : الآيات 98 الى 99]
قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلى مَا تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99)
[في قوله تعالى يَا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ] اعْلَمْ أَنَّ فِي كَيْفِيَّةِ النَّظْمِ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ: وَهُوَ الْأَوْفَقُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَوْرَدَ الدَّلَائِلَ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِمَّا وَرَدَ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِنَ الْبِشَارَةِ بِمَقْدِمِهِ، ثُمَّ ذَكَرَ عَقِيبَ ذَلِكَ شُبُهَاتِ الْقَوْمِ.
فَالشُّبْهَةُ الْأُولَى: مَا يَتَعَلَّقُ بِإِنْكَارِ النَّسْخِ.
وَأَجَابَ عَنْهَا بِقَوْلِهِ كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ [آلِ عِمْرَانَ: 93] .
وَالشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُ: مَا يَتَعَلَّقُ بِالْكَعْبَةِ وَوُجُوبِ اسْتِقْبَالِهَا فِي الصَّلَاةِ وَوُجُوبِ حَجِّهَا.
وَأَجَابَ عَنْهَا بقوله إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ [آل عمران: 96] إِلَى آخِرِهَا، فَعِنْدَ هَذَا تَمَّتْ وَظِيفَةُ الِاسْتِدْلَالِ وَكَمُلَ الْجَوَابُ عَنْ شُبُهَاتِ أَرْبَابِ الضَّلَالِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ خَاطَبَهُمْ بِالْكَلَامِ اللَّيِّنِ وَقَالَ: لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ بَعْدَ ظُهُورِ الْبَيِّنَاتِ وَزَوَالِ الشُّبُهَاتِ، وَهَذَا هُوَ الْغَايَةُ الْقُصْوَى فِي تَرْتِيبِ الْكَلَامِ وَحُسْنِ نَظْمِهِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ فَضَائِلَ الْكَعْبَةِ وَوُجُوبَ الْحَجِّ، وَالْقَوْمُ كَانُوا عَالِمِينَ بِأَنَّ هَذَا هُوَ الدِّينُ الْحَقُّ وَالْمِلَّةُ الصَّحِيحَةُ قَالَ لَهُمْ: لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ عَلِمْتُمْ كَوْنَهَا حَقَّةً صَحِيحَةً.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 306
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست