responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 305
مِنْ سَبِيلٍ
[غَافِرٍ: 11] وَقَالَ: هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ [الشُّورَى: 44] وَقَالَ: مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [التَّوْبَةِ: 91] فَيُعْتَبَرُ فِي حُصُولِ هَذَا الْإِمْكَانِ صِحَّةُ الْبَدَنِ، وَزَوَالُ خَوْفِ التَّلَفِ مِنَ السَّبُعِ أَوِ الْعَدُوِّ، وَفِقْدَانِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْمَالِ الَّذِي يُشْتَرَى بِهِ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ وَأَنْ يَقْضِيَ جَمِيعَ الدُّيُونِ وَيَرُدَّ جَمِيعَ الْوَدَائِعِ، وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِنْفَاقُ عَلَى أَحَدٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَجُّ إِلَّا إِذَا تَرَكَ مِنَ الْمَالِ مَا يَكْفِيهِمْ فِي الْمَجِيءِ وَالذَّهَابِ وَتَفَاصِيلُ هَذَا الْبَابِ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ وَاللَّهُ أعلم.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلَانِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهَا كَلَامٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ وَوَعِيدٌ عَامٌّ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَا قَبْلَهُ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمَا قَبْلَهُ وَالْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ مِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى تَارِكِ الْحَجِّ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ وُجُوبَ الْحَجِّ، أَمَّا الَّذِينَ حَمَلُوهُ عَلَى تَارِكِ الْحَجِّ فَقَدْ عَوَّلُوا فِيهِ عَلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ فَإِنَّهُ لَمَّا تَقَدَّمَ الْأَمْرُ بِالْحَجِّ ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ وَمَنْ كَفَرَ فُهِمَ مِنْهُ أَنَّ هَذَا الْكُفْرَ لَيْسَ إِلَّا تَرْكَ مَا تَقَدَّمَ الْأَمْرُ بِهِ ثُمَّ إِنَّهُمْ أَكَّدُوا هَذَا الْوَجْهَ بِالْأَخْبَارِ،
رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ فَلْيَمُتْ إِنْ شَاءَ يَهُودِيًّا وَإِنْ شَاءَ نَصْرَانِيًّا»
وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ وَلَمْ تَمْنَعْهُ حَاجَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ مَرَضٌ حَابِسٌ أَوْ سُلْطَانٌ جَائِرٌ فَلْيَمُتْ عَلَى أَيِّ حَالٍ شَاءَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا»
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: لَوْ مَاتَ جَارٌ لِي وَلَهُ مَيْسَرَةٌ وَلَمْ يَحُجَّ لَمْ أُصَلِّ عَلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَجُوزُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ بِسَبَبِ تَرْكِ الْحَجِّ؟
أَجَابَ الْقَفَّالُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ التَّغْلِيظَ، أَيْ قَدْ قَارَبَ الْكُفْرَ وَعَمِلَ مَا يَعْمَلُهُ مَنْ كَفَرَ بِالْحَجِّ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ [الْأَحْزَابِ: 10] أَيْ كَادَتْ تَبْلُغُ وَنَظِيرُهُ
قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ تَرَكَ صَلَاةً مُتَعَمِّدًا فَقَدْ كَفَرَ»
وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ أَتَى امْرَأَةً حَائِضًا أَوْ فِي دُبُرِهَا فَقَدْ كَفَرَ»
وَأَمَّا الْأَكْثَرُونَ: فَهُمُ الَّذِينَ حَمَلُوا هَذَا الْوَعِيدَ عَلَى مَنْ تَرَكَ اعْتِقَادَ وُجُوبِ الْحَجِّ،
قَالَ الضَّحَّاكُ: لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْحَجِّ جَمَعَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ الْأَدْيَانِ السِّتَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَالنَّصَارَى وَالْيَهُودَ وَالصَّابِئِينَ وَالْمَجُوسَ وَالْمُشْرِكِينَ فَخَطَبَهُمْ وَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا» فَآمَنَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَكَفَرَتْ بِهِ الْمِلَلُ الْخَمْسُ، وَقَالُوا: لَا نُؤْمِنُ/ بِهِ، وَلَا نُصَلِّي إِلَيْهِ، وَلَا نَحُجُّهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَهُ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ
وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْأَقْوَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّ تَكْلِيفَ الشَّرْعِ فِي الْعِبَادَاتِ قِسْمَانِ، مِنْهَا مَا يَكُونُ أَصْلُهُ مَعْقُولًا إِلَّا أَنَّ تَفَاصِيلَهُ لَا تَكُونُ مَعْقُولَةً مِثْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّ أَصْلَهَا مَعْقُولٌ وَهُوَ تَعْظِيمُ اللَّهِ أَمَّا كَيْفِيَّةُ الصَّلَاةِ فَغَيْرُ مَعْقُولَةٍ، وَكَذَا الزَّكَاةُ أَصْلُهَا دَفْعُ حَاجَةِ الْفَقِيرِ وَكَيْفِيَّتُهَا غَيْرُ مَعْقُولَةٍ، وَالصَّوْمُ أَصْلُهُ مَعْقُولٌ، وَهُوَ قَهْرُ النَّفْسِ وَكَيْفِيَّتُهُ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ، أَمَّا الْحَجُّ فَهُوَ سَفَرٌ إِلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ عَلَى كَيْفِيَّاتٍ مَخْصُوصَةٍ، فَالْحِكْمَةُ فِي كَيْفِيَّاتِ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ وَأَصْلُهَا غَيْرُ مَعْلُومَةٍ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: قَالَ الْمُحَقِّقُونَ إِنَّ الْإِتْيَانَ بِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الْعِبَادَةِ أَدَلُّ عَلَى كَمَالِ الْعُبُودِيَّةِ وَالْخُضُوعِ وَالِانْقِيَادِ مِنَ الْإِتْيَانِ بِالنَّوْعِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْآتِيَ بِالنَّوْعِ الْأَوَّلِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ إِنَّمَا أَتَى بِهِ لَمَّا عَرَفَ بِعَقْلِهِ مِنْ وُجُوهِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 305
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست