responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 300
الْعَتِيقِ
[الْحَجِّ: 33] وَقَالَ: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الْحَجِّ: 29] وَفِي اشْتِقَاقِهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: الْعَتِيقُ هُوَ الْقَدِيمُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ أَقْدَمُ بُيُوتِ الْأَرْضِ بَلْ عِنْدَ بَعْضِهِمْ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ قَبْلَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَالثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ أَعْتَقَهُ مِنَ الْغَرَقِ حَيْثُ رَفَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثُ: مِنْ عَتِقَ الطَّائِرُ إِذَا قَوِيَ فِي وَكْرِهِ، فَلَمَّا بَلَغَ فِي الْقُوَّةِ إِلَى حَيْثُ أَنَّ كُلَّ مَنْ قصد تخريبه أهلكه الله سمي عتيقاًالرابع: أَنَّ اللَّهَ أَعْتَقَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِلْكًا لِأَحَدٍ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ الْخَامِسُ: أَنَّهُ عَتِيقٌ بِمَعْنَى أَنَّ كُلَّ مَنْ زَارَهُ أَعْتَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى من النار وثالثها: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ قَالَ سُبْحَانَهُ: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى [الْإِسْرَاءِ: 1] وَالْمُرَادُ مِنْ كَوْنِهِ حَرَامًا سَيَجِيءُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ قَوْلِهِ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ [الْحَجِّ: 26] فَأَضَافَهُ مَرَّةً إِلَى نَفْسِهِ وَمَرَّةً إِلَى النَّاسِ.
وَالْجَوَابُ: كَأَنَّهُ قِيلَ: الْبَيْتُ لِي وَلَكِنْ وَضَعْتُهُ لَا لِأَجْلِ مَنْفَعَتِي فَإِنِّي مُنَزَّهٌ عَنِ الْحَاجَةِ وَلَكِنْ وَضَعْتُهُ لَكَ لِيَكُونَ قِبْلَةً لِدُعَائِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى: وَصَفَ هَذَا الْبَيْتَ بِأَنْوَاعِ الْفَضَائِلِ فَأَوَّلُهَا: أَنَّهُ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَى كَوْنِهِ أَوَّلًا فِي الْفَضْلِ وَنَزِيدُ هَاهُنَا وُجُوهًا أُخَرَ الْأَوَّلُ:
قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، هُوَ أَوَّلُ بَيْتٍ خُصَّ بِالْبَرَكَةِ، وَبِأَنَّ مَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا،
وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ أَوَّلُ مَسْجِدٍ عُبِدَ اللَّهُ فِيهِ فِي الْأَرْضِ وَقَالَ مُطَرِّفٌ. أَوَّلُ بَيْتٍ جُعِلَ قِبْلَةً وَثَانِيهَا: أَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ مُبَارَكًا، وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: انْتَصَبَ مُبارَكاً عَلَى الْحَالِ وَالتَّقْدِيرُ الَّذِي اسْتَقَرَّ هُوَ بِبَكَّةَ مُبَارَكًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْبَرَكَةُ لَهَا مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا: النُّمُوُّ وَالتَّزَايُدُ وَالثَّانِي: الْبَقَاءُ وَالدَّوَامُ، يُقَالُ تَبَارَكَ اللَّهُ، لِثُبُوتِهِ لَمْ يَزُلْ، وَالْبِرْكَةُ شِبْهُ الْحَوْضِ لِثُبُوتِ الْمَاءِ فِيهَا، وَبَرَكَ الْبَعِيرُ إِذَا وَضَعَ صَدْرَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَثَبَتَ وَاسْتَقَرَّ، فَإِنْ فَسَّرْنَا الْبَرَكَةَ بِالتَّزَايُدِ وَالنُّمُوِّ فَهَذَا الْبَيْتُ مُبَارَكٌ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّ الطَّاعَاتِ إِذَا أُتِيَ بِهَا فِي هَذَا الْبَيْتِ ازْدَادَ ثَوَابُهَا.
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَضْلُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى مَسْجِدِي، كَفَضْلِ مَسْجِدِي عَلَى سَائِرِ الْمَسَاجِدِ» ثُمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ»
فَهَذَا فِي الصَّلَاةِ، وَأَمَّا الْحَجُّ،
فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ حَجَّ وَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةَ»
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا أَكْثَرُ بَرَكَةً مِمَّا يَجْلِبُ الْمَغْفِرَةَ وَالرَّحْمَةَ وَثَانِيهَا: قَالَ الْقَفَّالُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَرَكَتُهُ مَا ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ [القصص: 57] فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ [الْإِسْرَاءِ: 1] / وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْعَاقِلَ يَجِبُ أَنْ يَسْتَحْضِرَ فِي ذِهْنِهِ أَنَّ الْكَعْبَةَ كَالنُّقْطَةِ وَلْيَتَصَوَّرْ أَنَّ صُفُوفَ الْمُتَوَجِّهِينَ إِلَيْهَا فِي الصَّلَوَاتِ كَالدَّوَائِرِ الْمُحِيطَةِ بِالْمَرْكَزِ، وَلْيَتَأَمَّلْ كَمْ عَدَدُ الصُّفُوفِ الْمُحِيطَةِ بِهَذِهِ الدَّائِرَةِ حَالَ اشْتِغَالِهِمْ بِالصَّلَاةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَحْصُلُ فِيمَا بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْمُصَلِّينَ أَشْخَاصٌ أَرْوَاحُهُمْ عُلْوِيَّةٌ، وَقُلُوبُهُمْ قُدْسِيَّةٌ وَأَسْرَارُهُمْ نُورَانِيَّةٌ وَضَمَائِرُهُمْ رَبَّانِيَّةٌ ثُمَّ إِنَّ تِلْكَ الْأَرْوَاحَ الصَّافِيَةَ إِذَا تَوَجَّهَتْ إِلَى كَعْبَةِ الْمَعْرِفَةِ وَأَجْسَادُهُمْ تَوَجَّهَتْ إِلَى هَذِهِ الْكَعْبَةِ الْحِسِّيَّةِ فَمَنْ كَانَ فِي الْكَعْبَةِ يَتَّصِلُ أَنْوَارُ أَرْوَاحِ أُولَئِكَ الْمُتَوَجِّهِينَ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 300
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست