responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 280
عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ ادَّعَى أَنَّهُ أَوْلَى بِهِ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: كِلَا الْفَرِيقَيْنِ بَرِيءٌ مِنْ دِينِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالُوا: مَا نَرْضَى بِقَضَائِكَ وَلَا نَأْخُذُ بِدِينِكَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ،
وَيَبْعُدُ عِنْدِي حَمْلُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى هَذَا السَّبَبِ لِأَنَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ مُنْقَطِعَةً عَمَّا قَبْلَهَا، وَالِاسْتِفْهَامُ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ يَقْتَضِي تَعَلُّقَهَا بِمَا قَبْلَهَا، فَالْوَجْهُ فِي الْآيَةِ أَنَّ هَذَا الْمِيثَاقَ لَمَّا كَانَ مَذْكُورًا فِي كُتُبِهِمْ وَهُمْ كَانُوا عَارِفِينَ بِذَلِكَ فَقَدْ كَانُوا عَالِمِينَ بِصِدْقِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النُّبُوَّةِ فَلَمْ يَبْقَ لِكُفْرِهِمْ سَبَبٌ إِلَّا مُجَرَّدَ الْعَدَاوَةِ وَالْحَسَدِ فَصَارُوا كَإِبْلِيسَ الَّذِي دَعَاهُ الْحَسَدُ إِلَى الْكُفْرِ، فَأَعْلَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ مَتَى كَانُوا طَالِبِينَ دِينًا غَيْرَ دِينِ اللَّهِ، وَمَعْبُودًا سِوَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ، ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ التَّمَرُّدَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِعْرَاضَ عَنْ حُكْمِهِ مِمَّا لَا يَلِيقُ بِالْعُقَلَاءِ فَقَالَ: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وإليه ترجعون وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْإِسْلَامُ، هُوَ الِاسْتِسْلَامُ وَالِانْقِيَادُ وَالْخُضُوعُ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَفِي خُضُوعِ كل من في السموات وَالْأَرْضِ لِلَّهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ مُمْكِنٌ لِذَاتِهِ وَكُلُّ مُمْكِنٍ لِذَاتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُوجَدُ إِلَّا بِإِيجَادِهِ وَلَا يُعْدَمُ إِلَّا بِإِعْدَامِهِ فَإِذَنْ كُلُّ مَا سِوَى اللَّهِ فَهُوَ مُنْقَادٌ خَاضِعٌ لِجَلَالِ اللَّهِ فِي طَرَفَيْ وُجُودِهِ وَعَدَمِهِ، وَهَذَا هُوَ نِهَايَةُ الِانْقِيَادِ وَالْخُضُوعِ، ثُمَّ إِنَّ فِي هَذَا الْوَجْهِ لَطِيفَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَهُ أَسْلَمَ يُفِيدُ الْحَصْرَ أَيْ وَلَهُ أَسْلَمَ كل من في السموات وَالْأَرْضِ لَا لِغَيْرِهِ، فَهَذِهِ الْآيَةُ تُفِيدُ أَنَّ وَاجِبَ الْوُجُودِ وَاحِدٌ وَأَنَّ كُلَّ مَا سِوَاهُ فَإِنَّهُ لَا يُوجَدُ إِلَّا بِتَكْوِينِهِ وَلَا يَفْنَى إِلَّا بِإِفْنَائِهِ سَوَاءٌ كَانَ عَقْلًا أَوْ نَفْسًا أَوْ رُوحًا أَوْ جِسْمًا أَوْ جَوْهَرًا أَوْ عَرَضًا أَوْ فَاعِلًا أَوْ فِعْلًا، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [الرَّعْدِ: 15] وَقَوْلُهُ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ [الْإِسْرَاءِ: 44] .
الْوَجْهُ الثَّانِي: فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ إِلَى الِامْتِنَاعِ عَلَيْهِ فِي مُرَادِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَنْزِلُوا عَلَيْهِ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا، فَالْمُسْلِمُونَ الصَّالِحُونَ يَنْقَادُونَ لِلَّهِ طَوْعًا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ، وَيَنْقَادُونَ لَهُ كَرْهًا فِيمَا يُخَالِفُ طِبَاعَهُمْ مِنَ الْمَرَضِ وَالْفَقْرِ وَالْمَوْتِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، وَأَمَّا الْكَافِرُونَ فَهُمْ يَنْقَادُونَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ حَالٍ كَرْهًا لِأَنَّهُمْ لَا يَنْقَادُونَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مُسْتَسْلِمُونَ لَهُ سُبْحَانَهُ كَرْهًا، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُمْ دَفْعُ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ الثَّالِثُ: أَسْلَمَ الْمُسْلِمُونَ طَوْعًا، وَالْكَافِرُونَ عِنْدَ مَوْتِهِمْ كَرْهًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا [غَافِرٍ: 85] الرَّابِعُ: أَنَّ كُلَّ الْخَلْقِ مُنْقَادُونَ لِإِلَهِيَّتِهِ طَوْعًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لُقْمَانَ: 25] وَمُنْقَادُونَ/ لِتَكَالِيفِهِ وإيجاده للآلام كرهاًالخامس: أَنَّ انْقِيَادَ الْكُلِّ إِنَّمَا حَصَلَ وَقْتَ أَخْذِ الْمِيثَاقِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى [الْأَعْرَافِ: 172] [السادس:] قال الحسن: الطوع لأهل السموات خَاصَّةً، وَأَمَّا أَهْلُ الْأَرْضِ فَبَعْضُهُمْ بِالطَّوْعِ وَبَعْضُهُمْ بِالْكُرْهِ، وَأَقُولُ: إِنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ فِي تَخْلِيقِ السموات وَالْأَرْضِ هَذَا وَهُوَ قَوْلُهُ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ [فُصِّلَتْ: 11] وَفِيهِ أَسْرَارٌ عَجِيبَةٌ.
أَمَّا قَوْلُهُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ فَالْمُرَادُ أَنَّ مَنْ خَالَفَهُ فِي الْعَاجِلِ فَسَيَكُونُ مَرْجِعُهُ إِلَيْهِ، وَالْمُرَادُ إِلَى حَيْثُ لَا يملك الضر والنفع سواه هذا وَعِيدٌ عَظِيمٌ لِمَنْ خَالَفَ الدِّينَ الْحَقَّ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَالَ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: الطَّوْعُ الِانْقِيَادُ، يُقَالُ: طَاعَهُ يَطُوعُهُ طَوْعًا إِذَا انْقَادَ لَهُ وَخَضَعَ، وَإِذَا مَضَى لِأَمْرِهِ فَقَدْ أَطَاعَهُ، وَإِذَا وَافَقَهُ فَقَدْ طَاوَعَهُ، قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ: يُقَالُ طَاعَ لَهُ وَأَطَاعَ، فَانْتَصَبَ طَوْعًا وَكَرْهًا عَلَى

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 280
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست