responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 268
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا الْأَصْلَ فَفِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: قَالَ الْقَفَّالُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ مَعْنَاهُ وَأَنْ يَعْمِدُوا إِلَى اللَّفْظَةِ فَيُحَرِّفُونَهَا فِي حَرَكَاتِ الْإِعْرَابِ تَحْرِيفًا يَتَغَيَّرُ بِهِ الْمَعْنَى، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ فَلَا يَبْعُدُ مِثْلُهُ فِي الْعِبْرَانِيَّةِ، فَلَمَّا فَعَلُوا مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ التَّوْرَاةِ كَانَ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ وَهَذَا تَأْوِيلٌ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ الثَّانِي: نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ النَّفَرَ الَّذِينَ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ كَتَبُوا كِتَابًا شَوَّشُوا فِيهِ نَعْتَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَلَطُوهُ بِالْكِتَابِ الَّذِي كَانَ فِيهِ نَعْتُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالُوا هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: إِنَّ لَيَّ اللِّسَانِ تَثَنِّيهِ بِالتَّشَدُّقِ وَالتَّنَطُّعِ وَالتَّكَلُّفِ وَذَلِكَ مَذْمُومٌ فَعَبَّرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قِرَاءَتِهِمْ لِذَلِكَ الْكِتَابِ الْبَاطِلِ بِلَيِّ اللِّسَانِ ذَمًّا لَهُمْ وَعَيْبًا وَلَمْ يُعَبِّرْ عَنْهَا بِالْقِرَاءَةِ، وَالْعَرَبُ تُفَرِّقُ بَيْنَ أَلْفَاظِ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ فِي الشَّيْءِ الْوَاحِدِ، فَيَقُولُونَ فِي الْمَدْحِ: خَطِيبٌ مُصْقِعٌ، وَفِي الذَّمِّ: مِكْثَارٌ ثَرْثَارٌ.
فَقَوْلُهُ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ الْمُرَادُ قِرَاءَةُ ذَلِكَ الْكِتَابِ الْبَاطِلِ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [الْبَقَرَةِ: 79] ثُمَّ قَالَ: وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ أَيْ وَمَا هُوَ الْكِتَابُ الْحَقُّ الْمُنَزَّلُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، بَقِيَ هَاهُنَا سُؤَالَانِ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: إِلَى مَا يَرْجِعُ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ لِتَحْسَبُوهُ؟.
الْجَوَابُ: إِلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ وَهُوَ الْمُحَرَّفُ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: كَيْفَ يُمْكِنُ إِدْخَالُ التَّحْرِيفِ فِي التَّوْرَاةِ مَعَ شُهْرَتِهَا الْعَظِيمَةِ بَيْنَ النَّاسِ؟.
الْجَوَابُ: لَعَلَّهُ صَدَرَ هَذَا الْعَمَلُ عَنْ نَفَرٍ قَلِيلٍ، يَجُوزُ عَلَيْهِمُ التَّوَاطُؤُ عَلَى التَّحْرِيفِ، ثُمَّ إِنَّهُمْ عَرَضُوا ذَلِكَ الْمُحَرَّفَ عَلَى بَعْضِ الْعَوَامِّ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ هَذَا التَّحْرِيفُ مُمْكِنًا، وَالْأَصْوَبُ عِنْدِي فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحْتَاجُ فِيهَا إِلَى تَدْقِيقِ النَّظَرِ وَتَأَمُّلِ الْقَلْبِ، وَالْقَوْمُ كَانُوا يُورِدُونَ عَلَيْهَا الْأَسْئِلَةَ الْمُشَوَّشَةَ وَالِاعْتِرَاضَاتِ الْمُظْلِمَةَ فَكَانَتْ تَصِيرُ تِلْكَ الدَّلَائِلُ مُشْتَبِهَةً عَلَى السَّامِعِينَ، وَالْيَهُودُ كَانُوا يَقُولُونَ:
مُرَادُ اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ مَا ذَكَرْنَاهُ لَا مَا ذَكَرْتُمْ، فَكَانَ هَذَا هُوَ الْمُرَادَ بِالتَّحْرِيفِ وَبِلَيِّ الْأَلْسِنَةِ وَهَذَا مِثْلُ مَا أَنَّ الْمُحِقَّ فِي زَمَانِنَا إِذَا اسْتَدَلَّ بِآيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَالْمُبْطِلُ يُورِدُ عَلَيْهِ الْأَسْئِلَةَ وَالشُّبُهَاتِ وَيَقُولُ: لَيْسَ/ مُرَادُ اللَّهِ مَا ذَكَرْتَ، فَكَذَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران: 78] وَكُرِّرَ هَذَا الْكَلَامُ بِلَفْظَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِأَجْلِ التَّأْكِيدِ، أَمَّا الْمُحَقِّقُونَ فَقَالُوا: الْمُغَايَرَةُ حَاصِلَةٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْكِتَابِ لَمْ يَكُنْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ قَدْ ثَبَتَ تَارَةً بِالْكِتَابِ، وَتَارَةً بِالسُّنَّةِ، وَتَارَةً بِالْإِجْمَاعِ، وَتَارَةً بِالْقِيَاسِ وَالْكُلُّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
فَقَوْلُهُ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ هَذَا نَفْيٌ خَاصٌّ، ثُمَّ عُطِفَ عَلَيْهِ النَّفْيُ الْعَامُّ فَقَالَ:
وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَما هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَأَيْضًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْكِتَابِ التَّوْرَاةَ، وَيَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي كُتُبِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِثْلِ أَشْعِيَاءَ، وَأَرْمِيَاءَ، وحيقوق،

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 268
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست