responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 252
مَا يُقَالُ لِحَافِظِ الْقُرْآنِ يَا حَامِلَ كِتَابِ اللَّهِ، وَلِلْمُفَسِّرِ يَا مُفَسِّرَ كَلَامِ اللَّهِ، فَإِنَّ هذا اللقب يدل على أن قاتله أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي تَعْظِيمِ الْمُخَاطَبِ وَفِي تَطْيِيبِ قَلْبِهِ، وَذَلِكَ إِنَّمَا يُقَالُ عِنْدَ عُدُولِ الْإِنْسَانِ مَعَ خَصْمِهِ عَنْ طَرِيقَةِ اللَّجَاجِ وَالنِّزَاعِ إِلَى طَرِيقَةِ طَلَبِ الْإِنْصَافِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: تَعالَوْا فَالْمُرَادُ تَعْيِينُ مَا دَعَوْا إِلَيْهِ وَالتَّوَجُّهُ إِلَى النَّظَرِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ انْتِقَالًا مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ لِأَنَّ أَصْلَ اللَّفْظِ مَأْخُوذٌ مِنَ التَّعَالِي وَهُوَ الِارْتِفَاعُ مِنْ مَوْضِعٍ هَابِطٍ إِلَى مَكَانٍ عَالٍ، ثُمَّ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ حَتَّى صَارَ دَالًّا عَلَى طَلَبِ التَّوَجُّهِ إِلَى حَيْثُ يُدْعَى إِلَيْهِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا فَالْمَعْنَى هَلُمُّوا إِلَى كَلِمَةٍ فِيهَا إِنْصَافٌ مِنْ بَعْضِنَا لِبَعْضٍ، لَا مَيْلَ فِيهِ لِأَحَدٍ عَلَى صَاحِبِهِ، وَالسَّوَاءُ هُوَ الْعَدْلُ وَالْإِنْصَافُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْإِنْصَافِ، إِعْطَاءُ النُّصْفِ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِي الْعُقُولِ تَرْكُ الظُّلْمِ عَلَى النَّفْسِ وَعَلَى الْغَيْرِ، وَذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِإِعْطَاءِ النُّصْفِ، فَإِذَا أَنْصَفَ وَتَرَكَ ظُلْمَهُ أَعْطَاهُ النُّصْفَ فَقَدْ سَوَّى بَيْنَ نَفْسِهِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَحَصَلَ الِاعْتِدَالُ، وَإِذَا ظَلَمَ وَأَخَذَ أَكَثَرَ مِمَّا أَعْطَى زَالَ الِاعْتِدَالُ فَلَمَّا كَانَ مِنْ لَوَازِمِ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ التَّسْوِيَةُ جُعِلَ لَفْظُ التَّسْوِيَةِ عِبَارَةً عَنِ الْعَدْلِ.
ثُمَّ قَالَ الزَّجَّاجُ سَواءٍ نَعْتٌ لِلْكَلِمَةِ يُرِيدُ: ذَاتِ سَوَاءٍ، فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ كَلِمَةٍ سَواءٍ أَيْ كَلِمَةٍ عَادِلَةٍ مُسْتَقِيمَةٍ مُسْتَوِيَةٍ، فَإِذَا آمَنَّا بِهَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ كُنَّا عَلَى السَّوَاءِ وَالِاسْتِقَامَةِ، ثُمَّ قَالَ: أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: مَحَلُّ (أَنْ) فِي قوله أَلَّا نَعْبُدَ، فِيهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ رُفِعَ بِإِضْمَارِ، هِيَ: كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ:
مَا تِلْكَ الْكَلِمَةُ؟ فَقِيلَ هِيَ أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَالثَّانِي: خُفِضَ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ: كَلِمَةٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ أَوَّلُهَا: أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وثانيها: أن لا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وثالثها: أن لا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ لِأَنَّ النَّصَارَى جَمَعُوا بَيْنَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَيَعْبُدُونَ غَيْرَ اللَّهِ وَهُوَ الْمَسِيحُ، وَيُشْرِكُونَ بِهِ غَيْرَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنه ثلاثة: أب وابن وروح القدس، فأثبتوا ذوات ثَلَاثَةً قَدِيمَةً سَوَاءً، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إِنَّهُمْ أَثْبَتُوا ذوات ثَلَاثَةً قَدِيمَةً، لِأَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ أُقْنُومَ الْكَلِمَةِ تَدَرَّعَتْ بِنَاسُوتِ الْمَسِيحِ، وَأُقْنُومَ رُوحِ الْقُدُسِ تَدَرَّعَتْ بِنَاسُوتِ مَرْيَمَ، وَلَوْلَا كَوْنُ هَذَيْنِ الْأُقْنُومَيْنِ ذَاتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ وَإِلَّا لَمَا جَازَتْ عَلَيْهِمَا مُفَارَقَةُ ذَاتِ الْأَبِ وَالتَّدَرُّعُ بِنَاسُوتِ عِيسَى وَمَرْيَمَ، وَلَمَّا أَثْبَتُوا ذوات ثَلَاثَةً مُسْتَقِلَّةً فَقَدْ أَشْرَكُوا، وَأَمَّا أَنَّهُمُ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُمْ كَانُوا يُطِيعُونَهُمْ فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْجُدُونَ لِأَحْبَارِهِمْ وَالثَّالِثُ: قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: مِنْ مَذْهَبِهِمْ أَنَّ مَنْ صَارَ كَامِلًا فِي الرِّيَاضَةِ وَالْمُجَاهَدَةِ يَظْهَرُ فِيهِ أَثَرُ حُلُولِ اللَّاهُوتِ، فَيَقْدِرُ عَلَى إِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ، فَهُمْ وَإِنْ لَمْ يُطْلِقُوا عَلَيْهِ لَفْظَ الرَّبِّ/ إِلَّا أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا فِي حَقِّهِ مَعْنَى الرُّبُوبِيَّةِ وَالرَّابِعُ:
هُوَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُطِيعُونَ أَحْبَارَهُمْ فِي الْمَعَاصِي، وَلَا مَعْنَى لِلرُّبُوبِيَّةِ إِلَّا ذَلِكَ، وَنَظِيرُهُ قَوْلِهِ تَعَالَى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ [الْجَاثِيَةِ: 23] فَثَبَتَ أَنَّ النَّصَارَى جَمَعُوا بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ، وَكَانَ الْقَوْلُ بِبُطْلَانِ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ كَالْأَمْرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ بَيْنَ جُمْهُورِ الْعُقَلَاءِ وَذَلِكَ، لِأَنَّ قَبْلَ الْمَسِيحِ مَا كَانَ الْمَعْبُودُ إِلَّا اللَّهَ، فَوَجَبَ أَنْ يَبْقَى الْأَمْرُ بَعْدَ ظُهُورِ الْمَسِيحِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ، وَأَيْضًا الْقَوْلُ بِالشَّرِكَةِ بَاطِلٌ بِاتِّفَاقِ الْكُلِّ، وَأَيْضًا إِذَا كَانَ الْخَالِقُ وَالْمُنْعِمُ بِجَمِيعِ النِّعَمِ هُوَ اللَّهَ، وَجَبَ أَنْ لَا يُرْجَعَ فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ وَالِانْقِيَادِ وَالطَّاعَةِ إِلَّا إِلَيْهِ، دُونَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ، فَهَذَا هُوَ شَرْحُ هَذِهِ الأمور الثلاثة.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 252
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست