responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 222
وَاجِبًا، وَعِنْدَ حُدُوثِ الْكَيْفِيَّةِ الْمِزَاجِيَّةِ يَكُونُ تَعَلُّقُ النَّفْسِ بِذَلِكَ الْبَدَنِ وَاجِبًا، فَثَبَتَ أَنَّ حُدُوثَ الْإِنْسَانِ عَلَى سَبِيلِ التَّوَلُّدِ مَعْقُولٌ مُمْكِنٌ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَحُدُوثُ الْإِنْسَانِ لَا عَنِ الْأَبِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ وَالْإِمْكَانِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّا نُشَاهِدُ حُدُوثَ كَثِيرٍ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ عَلَى سَبِيلِ التَّوَلُّدِ، كَتَوَلُّدِ الْفَأْرِ عَنِ الْمَدَرِ، وَالْحَيَّاتِ عَنِ الشَّعْرِ، وَالْعَقَارِبِ عَنِ الْبَاذَرُوجِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَتَوَلُّدُ الْوَلَدِ لَا عَنِ الْأَبِ أَوْلَى أَنْ لَا يَكُونَ مُمْتَنِعًا.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنَّ التَّخَيُّلَاتِ الذِّهْنِيَّةَ كَثِيرًا مَا تَكُونُ أَسْبَابًا لِحُدُوثِ الْحَوَادِثِ الْكَثِيرَةِ لَيْسَ أَنَّ تَصَوُّرَ الْمُنَافِي يُوجِبُ حُصُولَ كَيْفِيَّةِ الْغَضَبِ، وَيُوجِبُ حُصُولَ السُّخُونَةِ الشَّدِيدَةِ فِي الْبَدَنِ أَلَيْسَ اللَّوْحُ الطَّوِيلُ إِذَا كَانَ مَوْضُوعًا عَلَى الْأَرْضِ قَدَرَ الْإِنْسَانُ عَلَى الْمَشْيِ عَلَيْهِ وَلَوْ جُعِلَ كَالْقَنْطَرَةِ عَلَى وَهْدَةٍ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَشْيِ عَلَيْهِ، بَلْ كُلَّمَا مَشَى عَلَيْهِ يَسْقُطُ وَمَا ذَاكَ إِلَّا أَنَّ تَصَوُّرَ السُّقُوطِ يُوجِبُ حُصُولَ السُّقُوطِ، وَقَدْ ذَكَرُوا فِي «كُتُبِ الْفَلْسَفَةِ» أَمْثِلَةً كَثِيرَةً لِهَذَا الْبَابِ، وَجَعَلُوهَا كَالْأَصْلِ فِي بَيَانِ جَوَازِ الْمُعْجِزَاتِ وَالْكَرَامَاتِ، فَمَا الْمَانِعُ مِنْ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ لَمَّا تَخَيَّلَتْ صُورَتَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَفَى ذَلِكَ فِي عُلُوقِ الْوَلَدِ فِي رَحِمِهَا. وَإِذَا كَانَ كُلُّ هَذِهِ الْوُجُوهِ مُمْكِنًا مُحْتَمَلًا كَانَ الْقَوْلُ/ بِحُدُوثِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةِ الْأَبِ قَوْلًا غَيْرَ مُمْتَنِعٍ، وَلَوْ أَنَّكَ طَالَبْتَ جَمِيعَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ مِنْ أَرْبَابِ الطَّبَائِعِ وَالطِّبِّ وَالْفَلْسَفَةِ عَلَى إِقَامَةِ حُجَّةٍ إِقْنَاعِيَّةٍ فِي امْتِنَاعِ حُدُوثِ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ الْأَبِ لَمْ يَجِدُوا إِلَيْهِ سبيلًا إلا الرجوع إلا اسْتِقْرَاءِ الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ، وَقَدِ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْفَلَاسِفَةِ عَلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا الِاسْتِقْرَاءِ لَا يُفِيدُ الظَّنَّ الْقَوِيَّ فَضْلًا عَنِ الْعِلْمِ، فَعَلِمْنَا أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ مُمْكِنٌ فَلَمَّا أُخْبِرَ الْعِبَادُ عَنْ وُقُوعِهِ وَجَبَ الْجَزْمُ بِهِ وَالْقَطْعُ بِصِحَّتِهِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: بِكَلِمَةٍ مِنْهُ فَلَفْظَةُ (مِنْ) لَيْسَتْ لِلتَّبْعِيضِ هَاهُنَا إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى مُتَجَزِّئًا مُتَبَعِّضًا مُتَحَمِّلًا لِلِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ وَكُلُّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ مُحْدَثٌ وَتَعَالَى اللَّهُ عَنْهُ، بَلِ الْمُرَادُ مِنْ كَلِمَةِ (مِنْ) هَاهُنَا ابْتِدَاءُ الْغَايَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ فِي حَقِّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا لَمْ تَكُنْ وَاسِطَةُ الْأَبِ مَوْجُودَةً صَارَ تَأْثِيرُ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَكْوِينِهِ وَتَخْلِيقِهِ أَكْمَلَ وَأَظْهَرَ فَكَانَ كَوْنُهُ كَلِمَةَ اللَّهَ مَبْدَأً لِظُهُورِهِ وَلِحُدُوثِهِ أَكْمَلَ فَكَانَ الْمَعْنَى لَفْظَ مَا ذَكَرْنَاهُ لَا مَا يَتَوَهَّمُهُ النَّصَارَى وَالْحُلُولِيَّةُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَفِيهِ سُؤَالَاتٌ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: الْمَسِيحُ: هَلْ هُوَ اسْمٌ مُشْتَقٌّ، أَوْ مَوْضُوعٌ؟.
وَالْجَوَابُ: فِيهِ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَاللَّيْثُ: أَصْلُهُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ مَشِيحًا، فَعَرَّبَتْهُ الْعَرَبُ وَغَيَّرُوا لَفْظَهُ، وَعِيسَى: أَصْلُهُ يَشُوعُ كَمَا قَالُوا فِي مُوسَى: أَصْلُهُ مُوشَى، أَوْ مِيشَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَكُونُ لَهُ اشْتِقَاقٌ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ مُشْتَقٌّ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ، ثُمَّ ذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا الْأَوَّلُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّمَا سُمِّيَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَسِيحًا، لِأَنَّهُ مَا كان يمسح بيده ذا عاهة، إلا برىء مِنْ مَرَضِهِ الثَّانِي: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى: سُمِّيَ مَسِيحًا لِأَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ الْأَرْضَ أَيْ يَقْطَعُهَا، وَمِنْهُ مِسَاحَةُ أَقْسَامِ الْأَرْضِ، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: لِعِيسَى مَسِّيحٌ بِالتَّشْدِيدِ عَلَى الْمُبَالَغَةِ كَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ فَسِّيقٌ وَشَرِّيبٌ الثَّالِثُ: أَنَّهُ كَانَ مَسِيحًا، لِأَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ رَأْسَ الْيَتَامَى لِلَّهِ تَعَالَى، فَعَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ: هُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى: فَاعِلٍ، كَرَحِيمٍ بِمَعْنَى: رَاحِمٍ الرَّابِعُ: أَنَّهُ مُسِحَ مِنَ الْأَوْزَارِ وَالْآثَامِ وَالْخَامِسُ: سُمِّيَ مَسِيحًا لِأَنَّهُ مَا كَانَ فِي قَدَمِهِ خَمْصٌ، فَكَانَ مَمْسُوحَ الْقَدَمَيْنِ وَالسَّادِسُ: سُمِّيَ مَسِيحًا لِأَنَّهُ كَانَ مَمْسُوحًا بِدُهْنٍ طَاهِرٍ مُبَارَكٍ يُمْسَحُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، وَلَا يُمْسَحُ بِهِ غَيْرُهُمْ، ثُمَّ قَالُوا: وَهَذَا الدُّهْنُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تعالى

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 222
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست