responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 221
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اخْتَلَفُوا فِي الْعَامِلِ فِي إِذْ قِيلَ: الْعَامِلُ فِيهِ. وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَقِيلَ:
يَخْتَصِمُونَ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَقِيلَ: إِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى إِذْ الْأُولَى فِي قوله إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ وَقِيلَ التَّقْدِيرُ:
إِنَّ مَا وَصَفْتُهُ مِنْ أُمُورِ زَكَرِيَّا، وَهِبَةِ اللَّهِ لَهُ يَحْيَى كَانَ إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ، وَأَمَّا أَبُو عُبَيْدَةَ: فَإِنَّهُ يَجْرِي فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى مَذْهَبٍ لَهُ مَعْرُوفٍ، وَهُوَ أَنَّ (إِذْ) صِلَةٌ فِي الْكَلَامِ وَزِيَادَةٌ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ فِيهِمَا بَعْضُ الضَّعْفِ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَرْيَمَ حَالَ مَا كَانُوا يُلْقُونَ الْأَقْلَامَ وَحَالَ مَا كَانُوا يَخْتَصِمُونَ مَا بَلَغَتِ الْجِدَّ الَّذِي تُبَشَّرُ فِيهِ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِلَّا قَوْلَ الْحَسَنِ: فَإِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا كَانَتْ عَاقِلَةً فِي حَالِ الصِّغَرِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ كَرَامَاتِهَا، فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ جَازَ فِي تِلْكَ الْحَالِ أَنْ يَرِدَ عَلَيْهَا الْبُشْرَى مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَإِلَّا فَلَا بُدَّ مِنْ تَأَخُّرِ هَذِهِ الْبُشْرَى إِلَى حِينِ الْعَقْلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَكَلَّفَ الْجَوَابَ، فَقَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ الِاخْتِصَامُ وَالْبُشْرَى وَقَعَا فِي زَمَانٍ وَاسِعٍ، كَمَا تَقُولُ لَقِيتُهُ فِي سَنَةِ كَذَا، وَهَذَا الْجَوَابُ بَعِيدٌ وَالْأَصْوَبُ هُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ، وَالرَّابِعُ، أَمَّا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ: فَقَدْ عَرَفْتَ ضَعْفَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يُفِيدُ الْجَمْعَ إِلَّا أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ ذَلِكَ الْمُنَادِي كَانَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا الْبِشَارَةُ فَقَدْ ذَكَرْنَا تَفْسِيرَهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي قَوْلِهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ [الْبَقَرَةِ: 25] .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: بِكَلِمَةٍ مِنْهُ فَقَدْ ذَكَرْنَا تَفْسِيرَ الْكَلِمَةِ مِنْ وُجُوهٍ وَأَلْيَقُهَا بِهَذَا الْمَوْضِعِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّ كُلَّ عُلُوقٍ وَإِنْ كَانَ مَخْلُوقًا بِوَاسِطَةِ الْكَلِمَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ كُنْ إِلَّا أَنَّ مَا هُوَ السَّبَبُ الْمُتَعَارَفُ كَانَ مَفْقُودًا فِي حَقِّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ الْأَبُ، فَلَا جَرَمَ كَانَ إِضَافَةُ حُدُوثِهِ إلى الكلمة أكل وَأَتَمَّ فَجُعِلَ بِهَذَا التَّأْوِيلِ كَأَنَّهُ نَفْسُ الْكَلِمَةِ كَمَا أَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْجُودُ وَالْكَرَمُ وَالْإِقْبَالُ يُقَالُ فِيهِ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ إِنَّهُ نَفْسُ الْجُودِ، وَمَحْضُ الْكَرَمِ، وَصَرِيحُ الْإِقْبَالِ، فَكَذَا هَاهُنَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ السُّلْطَانَ الْعَادِلَ قَدْ يُوصَفُ بِأَنَّهُ ظِلُّ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، وَبِأَنَّهُ نُورُ اللَّهِ لِمَا/ أَنَّهُ سَبَبٌ لِظُهُورِ ظِلِّ الْعَدْلِ، وَنُورِ الْإِحْسَانِ، فَكَذَلِكَ كَانَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ سَبَبًا لِظُهُورِ كَلَامِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِسَبَبِ كَثْرَةِ بَيَانَاتِهِ وَإِزَالَةِ الشُّبَهَاتِ وَالتَّحْرِيفَاتِ عَنْهُ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُسَمَّى بِكَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ.
فَإِنْ قِيلَ: وَلِمَ قُلْتُمْ إِنَّ حُدُوثَ الشَّخْصِ مِنْ غَيْرِ نُطْفَةِ الْأَبِ مُمْكِنٌ قُلْنَا: أَمَّا عَلَى أُصُولِ الْمُسْلِمِينَ فَالْأَمْرُ فِيهِ ظَاهِرٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّ تَرْكِيبَ الْأَجْسَامِ وَتَأْلِيفَهَا عَلَى وَجْهٍ يَحْصُلُ فِيهَا الْحَيَاةُ وَالْفَهْمُ، وَالنُّطْقُ أَمْرٌ مُمْكِنٌ، وَثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى الْمُمْكِنَاتِ بِأَسْرِهَا، وَكَانَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَادِرًا عَلَى إِيجَادِ الشَّخْصِ، لَا مِنْ نُطْفَةِ الْأَبِ، وَإِذَا ثَبَتَ الْإِمْكَانُ، ثُمَّ إِنَّ الْمُعْجِزَ قَامَ عَلَى صِدْقِ النَّبِيِّ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ صَادِقًا، ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْ وُقُوعِ ذَلِكَ الْمُمْكِنِ، وَالصَّادِقُ إِذَا أَخْبَرَ عَنْ وُقُوعِ الْمُمْكِنِ وَجَبَ الْقَطْعُ بِكَوْنِهِ كَذَلِكَ، فَثَبَتَ صِحَّةُ مَا ذَكَرْنَاهُ الثَّانِي: مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ [آلِ عِمْرَانَ: 59] فَلَمَّا لَمْ يَبْعُدْ تَخْلِيقُ آدَمَ مِنْ غَيْرِ أَبٍ فَلَأَنْ لَا يَبْعُدَ تَخْلِيقُ عِيسَى مِنْ غَيْرِ أَبٍ كَانَ أَوْلَى وَهَذِهِ حُجَّةٌ ظَاهِرَةٌ، وَأَمَّا عَلَى أُصُولِ الْفَلَاسِفَةِ فَالْأَمْرُ فِي تَجْوِيزِهِ ظَاهِرٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْفَلَاسِفَةَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ حُدُوثُ الْإِنْسَانِ عَلَى سَبِيلِ التَّوَالُدِ مِنْ غَيْرِ تَوَلُّدٍ قَالُوا:
لِأَنَّ بَدَنَ الْإِنْسَانِ إِنَّمَا اسْتَعَدَّ لِقَبُولِ النَّفْسِ النَّاطِقَةِ الَّتِي تُدَبَّرُ بِوَاسِطَةِ حُصُولِ الْمِزَاجِ الْمَخْصُوصِ فِي ذَلِكَ الْبَدَنِ، وَذَلِكَ الْمِزَاجُ إِنَّمَا جُعِلَ لِامْتِزَاجِ الْعَنَاصِرِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ فِي مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَحُصُولُ أَجْزَاءِ الْعَنَاصِرِ عَلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ الَّذِي يُنَاسِبُ بَدَنَ الْإِنْسَانِ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَامْتِزَاجُهَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ، فَامْتِزَاجُهَا يَكُونُ عِنْدَ حُدُوثِ الْكَيْفِيَّةِ الْمِزَاجِيَّةِ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 221
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست