responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 218
أَنَّى لَكِ هَذَا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَخَامِسُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى أَسْمَعَهَا كَلَامَ الْمَلَائِكَةِ شِفَاهًا، وَلَمْ يَتَّفِقْ ذَلِكَ لِأُنْثَى غَيْرِهَا، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنَ الِاصْطِفَاءِ الْأَوَّلِ، وَأَمَّا التَّطْهِيرُ فَفِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: أَنَّهُ تَعَالَى طَهَّرَهَا عَنِ الْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الْأَحْزَابِ: 33] وَثَانِيهَا: أَنَّهُ تَعَالَى طَهَّرَهَا عَنْ مَسِيسِ الرِّجَالِ وَثَالِثُهَا: طَهَّرَهَا عَنِ الْحَيْضِ، قَالُوا: كَانَتْ مَرْيَمُ لَا تَحِيضُ وَرَابِعُهَا: وَطَهَّرَكِ مِنَ الْأَفْعَالِ الذَّمِيمَةِ، وَالْعَادَاتِ الْقَبِيحَةِ وَخَامِسُهَا: وَطَهَّرَكِ عَنْ مَقَالَةِ الْيَهُودِ وَتُهْمَتِهِمْ وَكَذِبِهِمْ.
وَأَمَّا الِاصْطِفَاءُ الثَّانِي: فَالْمُرَادُ أَنَّهُ تَعَالَى وَهَبَ لَهَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ، وَأَنْطَقَ عِيسَى حَالَ انْفِصَالِهِ مِنْهَا حَتَّى شَهِدَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى بَرَاءَتِهَا عَنِ التُّهْمَةِ، وَجَعَلَهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ:
رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ: «حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ أَرْبَعٌ: مَرْيَمُ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَخَدِيجَةُ، وَفَاطِمَةُ عَلَيْهِنَّ السَّلَامُ»
فَقِيلَ هَذَا الْحَدِيثُ دَلَّ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَ أفضل من النساء، وهذه الآي دَلَّتْ عَلَى أَنَّ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ أَفْضَلُ مِنَ الْكُلِّ، وَقَوْلُ مَنْ/ قَالَ الْمُرَادُ إِنَّهَا مُصْطَفَاةٌ عَلَى عَالَمِي زَمَانِهَا، فَهَذَا تَرَكَ الظَّاهِرَ.
ثم قال تعالى: يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْقُنُوتِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ [الْبَقَرَةِ: 238] وَبِالْجُمْلَةِ فَلَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ بِمَزِيدِ الْمَوَاهِبِ وَالْعَطَايَا مِنَ اللَّهِ أَوْجَبَ عَلَيْهَا مَزِيدَ الطَّاعَاتِ، شُكْرًا لِتِلْكَ النِّعَمِ السَّنِيَّةِ، وَفِي الْآيَةِ سُؤَالَاتٌ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: لِمَ قُدِّمَ ذِكْرُ السُّجُودِ عَلَى ذِكْرِ الرُّكُوعِ؟.
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْوَاوَ تُفِيدُ الِاشْتِرَاكَ وَلَا تُفِيدُ التَّرْتِيبَ الثَّانِي: أَنَّ غَايَةَ قُرْبِ الْعَبْدِ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ سَاجِدًا
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ إِذَا سَجَدَ»
فَلَمَّا كَانَ السُّجُودُ مُخْتَصًّا بِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الرُّتْبَةِ وَالْفَضِيلَةِ لَا جَرَمَ قَدَّمَهُ عَلَى سَائِرِ الطَّاعَاتِ.
ثُمَّ قَالَ: وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى يَأْمُرُهَا بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى السُّجُودِ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَإِنَّهَا تَأْتِي بِهَا فِي أَوْقَاتِهَا الْمُعَيَّنَةِ لَهَا وَالثَّالِثُ: قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: قَوْلُهُ تَعَالَى: اقْنُتِي أَمْرٌ بِالْعِبَادَةِ على العموم، ثم قال بعد ذلك اسْجُدِي وَارْكَعِي يَعْنِي اسْتَعْمِلِي السُّجُودَ فِي وَقْتِهِ اللَّائِقِ بِهِ، وَاسْتَعْمِلِي الرُّكُوعَ فِي وَقْتِهِ اللَّائِقِ بِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ يُقَدَّمُ السُّجُودُ عَلَى الرُّكُوعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الرَّابِعُ: أَنَّ الصَّلَاةَ تُسَمَّى سُجُودًا كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ وَأَدْبارَ السُّجُودِ [ق: 40]
وَفِي الْحَدِيثِ «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ»
وَأَيْضًا الْمَسْجِدُ سُمِّيَ بِاسْمٍ مُشْتَقٍّ مِنَ السُّجُودِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ مَوْضِعُ الصَّلَاةِ، وَأَيْضًا أَشْرَفُ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ السُّجُودُ وَتَسْمِيَةُ الشَّيْءِ بَاسْمِ أَشْرَفِ أَجْزَائِهِ نَوْعٌ مَشْهُورٌ فِي المجاز.
إذا ثبت هذا فنقول قوله يا مَرْيَمُ اقْنُتِي مَعْنَاهُ: يَا مَرْيَمُ قُومِي، وَقَوْلُهُ وَاسْجُدِي أَيْ صَلِّي فَكَانَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا السُّجُودِ الصَّلَاةَ، ثُمَّ قَالَ: وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَمْرًا لَهَا بِالصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ وَاسْجُدِي أَمْرًا بِالصَّلَاةِ حَالَ الِانْفِرَادِ، وَقَوْلُهُ وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ أَمْرًا بِالصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ، أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ مِنَ الرُّكُوعِ التَّوَاضُعَ وَيَكُونُ قَوْلُهُ وَاسْجُدِي أَمْرًا ظَاهِرًا بِالصَّلَاةِ، وَقَوْلُهُ وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 218
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست