responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 206
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: رَوَى الْقَفَّالُ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ مَرْيَمَ تَكَلَّمَتْ فِي صِبَاهَا كَمَا تَكَلَّمَ الْمَسِيحُ وَلَمْ تَلْتَقِمْ ثَدْيًا قَطُّ، وَإِنَّ رِزْقَهَا كَانَ يَأْتِيهَا مِنَ الْجَنَّةِ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: فِي تَفْسِيرِ الْقَبُولِ الْحَسَنِ أَنَّ الْمُعْتَادَ فِي تِلْكَ الشَّرِيعَةِ أَنَّ التَّحْرِيرَ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي حَقِّ الْغُلَامِ حِينَ يَصِيرُ عَاقِلًا قَادِرًا عَلَى خِدْمَةِ الْمَسْجِدِ، وَهَاهُنَا لَمَّا عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى تَضَرُّعَ تِلْكَ الْمَرْأَةِ/ قَبِلَ تِلْكَ الْجَارِيَةَ حَالَ صِغَرِهَا وَعَدَمِ قُدْرَتِهَا عَلَى خِدْمَةِ الْمَسْجِدِ، فَهَذَا كُلُّهُ هُوَ الْوُجُوهُ الْمَذْكُورَةُ فِي تَفْسِيرِ الْقَبُولِ الْحَسَنِ.
ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: التَّقْدِيرُ أَنْبَتَهَا فَنَبَتَتْ هِيَ نَبَاتًا حَسَنًا ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ صَرَفَ هَذَا النَّبَاتَ الْحَسَنَ إِلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيَا، وَمِنْهُمْ مَنْ صَرَفَهُ إِلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَالُوا: الْمَعْنَى أَنَّهَا كَانَتْ تَنْبُتُ فِي الْيَوْمِ مِثْلَ مَا يَنْبُتُ الْمَوْلُودُ فِي عَامٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا فِي الدِّينِ فَلِأَنَّهَا نَبَتَتْ فِي الصَّلَاحِ وَالسَّدَادِ وَالْعِفَّةِ وَالطَّاعَةِ.
ثُمَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: يُقَالُ: كَفَلَ يَكْفُلُ كَفَالَةً وَكَفْلًا فَهُوَ كَافِلٌ، وَهُوَ الَّذِي يُنْفِقُ عَلَى إِنْسَانٍ وَيَهْتَمُّ بِإِصْلَاحِ مَصَالِحِهِ،
وَفِي الْحَدِيثِ «أَنَا وَكَافِلُ اليتيم كهاتين»
وقال الله تعالى: أَكْفِلْنِيها.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَرَأَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (وَكَفَّلَهَا) بِالتَّشْدِيدِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي زَكَرِيَّا فَقَرَأَ عَاصِمٌ بِالْمَدِّ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالْقَصْرِ عَلَى مَعْنَى ضَمَّهَا اللَّهُ تَعَالَى إِلَى زَكَرِيَّا، فَمَنْ قَرَأَ (زَكَرِيَّاءَ) بِالْمَدِّ أَظْهَرَ النَّصْبَ وَمَنْ قَرَأَ بِالْقَصْرِ كَانَ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ وَالْبَاقُونَ قَرَءُوا بِالْمَدِّ وَالرَّفْعِ عَلَى مَعْنَى ضَمَّهَا زَكَرِيَّاءُ إِلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ الِاخْتِيَارُ، لِأَنَّ هَذَا مُنَاسِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَعَنِ ابْنِ كَثِيرٍ فِي رِوَايَةٍ كَفَّلَها بِكَسْرِ الْفَاءِ، وَأَمَّا الْقَصْرُ وَالْمَدُّ فِي زَكَرِيَّا فَهُمَا لُغَتَانِ، كَالْهَيْجَاءِ وَالْهَيْجَا، وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ فَتَقَبَّلَها رَبُّها، ... وَأَنْبَتَها، ... وَكَفَّلَها عَلَى لَفْظِ الْأَمْرِ فِي الْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ، وَنَصْبِ رَبُّها كَأَنَّهَا كَانَتْ تَدْعُو اللَّهَ فَقَالَتْ: اقْبَلْهَا يَا رَبَّهَا، وَأَنْبِتْهَا يَا رَبَّهَا، وَاجْعَلْ زَكَرِيَّا كَافِلًا لَهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: اخْتَلَفُوا فِي كَفَالَةِ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلَامُ إِيَّاهَا مَتَى كَانَتْ، فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ: كَانَ ذَلِكَ حَالَ طُفُولِيَّتِهَا، وَبِهِ جَاءَتِ الرِّوَايَاتُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ إِنَّمَا كَفَلَهَا بَعْدَ أَنْ فُطِمَتْ، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً ثُمَّ قَالَ: وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا وَهَذَا يُوهِمُ أَنَّ تِلْكَ الْكَفَالَةَ بَعْدَ ذَلِكَ النَّبَاتِ الْحَسَنِ وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ قَدْ فَارَقَتِ الرَّضَاعَ وَقْتَ تِلْكَ الْكَفَالَةِ، وَأَصْحَابُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَجَابُوا بِأَنَّ الْوَاوَ لَا تُوجِبُ التَّرْتِيبَ، فَلَعَلَّ الْإِنْبَاتَ الْحَسَنَ وَكَفَالَةَ زَكَرِيَّاءَ حَصَلَا مَعًا.
وَأَمَّا الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: فَلَعَلَّ دُخُولَهُ عَلَيْهَا وَسُؤَالَهُ مِنْهَا هَذَا السُّؤَالَ إِنَّمَا وَقَعَ فِي آخِرِ زَمَانِ الْكَفَالَةِ.
ثُمَّ قَالَ اللَّهُ: كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْمِحْرابَ الْمَوْضِعَ الْعَالِيَ الشَّرِيفَ، قَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ:
رَبَّةُ مِحْرَابٍ إِذَا جِئْتُهَا ... لَمْ أَدْنُ حَتَّى أَرْتَقِيَ سُلَّمَا

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 206
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست