responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 188
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْمُلْكِ، مَا يُسَمَّى مُلْكًا فِي الْعُرْفِ، وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ مَجْمُوعِ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا:
تَكْثِيرُ الْمَالِ وَالْجَاهِ، أَمَّا تَكْثِيرُ الْمَالِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مُلْكُ الصَّامِتِ وَالنَّاطِقِ وَالدُّورِ وَالضِّيَاعِ، وَالْحَرْثُ، وَالنَّسْلُ، وَأَمَّا تَكْثِيرُ الجاه فهو أن يكون مهيبا عند النَّاسِ، مَقْبُولَ الْقَوْلِ، مُطَاعًا فِي الْخَلْقِ وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ أَنْ يَكُونَ فِي طَاعَتِهِ، وَتَحْتَ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَوْ نَازَعَهُ فِي مُلْكِهِ أَحَدٌ، قَدَرَ عَلَى قَهْرِ ذَلِكَ الْمُنَازِعِ، وَعَلَى غَلَبَتِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، أَمَّا تَكْثِيرُ الْمَالِ فَقَدْ نَرَى جَمْعًا فِي غَايَةِ الْكِيَاسَةِ لَا يَحْصُلُ لَهُمْ/ مَعَ الْكَدِّ الشَّدِيدِ، وَالْعَنَاءِ الْعَظِيمِ قَلِيلٌ مِنَ الْمَالِ، وَنَرَى الْأَبْلَهَ الْغَافِلَ قَدْ يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ مَا لَا يَعْلَمُ كَمِّيَّتَهُ، وَأَمَّا الْجَاهُ فَالْأَمْرُ أَظْهَرُ، فَإِنَّا رَأَيْنَا كَثِيرًا مِنَ الْمُلُوكِ بَذَلُوا الْأَمْوَالَ الْعَظِيمَةَ لِأَجْلِ الْجَاهِ، وَكَانُوا كُلَّ يَوْمٍ أَكْثَرَ حَقَارَةً وَمَهَانَةً فِي أَعْيُنِ الرَّعِيَّةِ، وَقَدْ يَكُونُ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ مُعَظَّمًا فِي الْعَقَائِدِ مَهِيبًا فِي الْقُلُوبِ، يَنْقَادُ لَهُ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ، وَيَتَوَاضَعُ لَهُ الْقَاصِي وَالدَّانِي، وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ كَوْنُهُ وَاجِبَ الطَّاعَةِ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا تَشْرِيفٌ يُشَرِّفُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بَعْضَ عِبَادِهِ، وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ، وَهُوَ حُصُولُ النصرة والظفر فمعلوم أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَحْصُلُ إِلَّا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَمْ شَاهَدْنَا مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ، وَعِنْدَ هَذَا يَظْهَرُ بِالْبُرْهَانِ الْعَقْلِيِّ صِحَّةُ مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قَوْلِهِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ لِلْمُعْتَزِلَةِ هَاهُنَا بَحْثًا قَالَ الْكَعْبِيُّ قوله تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ لَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الْمُخْتَارِيَّةِ، وَلَكِنْ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَيُؤْتِيهِ مَنْ يَقُومُ بِهِ، وَلَا يَنْزِعُهُ إِلَّا مِمَّنْ فَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ لَا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [الْبَقَرَةِ: 124] وَقَالَ فِي حَقِّ الْعَبْدِ الصَّالِحِ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَزادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [الْبَقَرَةِ: 247] فَجَعَلَهَ سَبَبًا لِلْمُلْكِ، وَقَالَ الْجُبَّائِيُّ: هَذَا الْحُكْمُ مُخْتَصٌّ بِمُلُوكِ الْعَدْلِ، فَأَمَّا مُلُوكُ الظُّلْمِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُلْكُهُمْ بِإِيتَاءِ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِإِيتَاءِ اللَّهِ، وَقَدْ أَلْزَمَهُمْ أَنْ لَا يَتَمَلَّكُوهُ، وَمَنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَصَحَّ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُلُوكَ الْعَادِلِينَ هُمُ الْمُخْتَصُّونَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى آتَاهُمْ ذَلِكَ الْمُلْكَ، فَأَمَّا الظَّالِمُونَ فَلَا، قَالُوا:
وَنَظِيرُ هَذَا مَا قُلْنَاهُ فِي الرِّزْقِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ تَحْتَهُ الْحَرَامُ الَّذِي زَجَرَهُ اللَّهُ عَنِ الِانْتِفَاعِ بِهِ، وَأَمَرَهُ بِأَنْ يَرُدَّهُ عَلَى مَالِكِهِ فَكَذَا هَاهُنَا، قَالُوا: وَأَمَّا النَّزْعُ فَبِخِلَافِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَمَا يُنْزَعُ الْمُلْكُ مِنَ الْمُلُوكِ الْعَادِلِينَ لِمَصْلَحَةٍ تَقْتَضِي ذَلِكَ فَقَدْ يُنْزَعُ الْمُلْكُ عَنِ الْمُلُوكِ الظَّالِمِينَ وَنَزْعُ الْمُلْكِ يَكُونُ بِوُجُوهٍ: مِنْهَا بِالْمَوْتِ، وإزالة العقل، وإزالة القوى، والقدر وَالْحَوَاسِّ، وَمِنْهَا بِوُرُودِ الْهَلَاكِ وَالتَّلَفِ عَنِ الْأَمْوَالِ، وَمِنْهَا أَنْ يَأْمُرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُحِقَّ بِأَنْ يَسْلُبَ الْمُلْكَ الَّذِي فِي يَدِ الْمُتَغَلِّبِ الْمُبْطِلِ وَيُؤْتِيَهُ الْقُوَّةَ وَالنُّصْرَةَ، فَإِذَا حَارَبَهُ الْمُحِقُّ وَقَهَرَهُ وَسَلَبَ مُلْكَهُ جَازَ أَنْ يُضَافَ هَذَا السَّلْبُ وَالنَّزْعُ إِلَيْهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ وَقَعَ عَنْ أَمْرِهِ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ نَزَعَ اللَّهُ تَعَالَى مُلْكَ فَارِسَ عَلَى يَدِ الرَّسُولِ، هَذَا جُمْلَةُ كَلَامِ الْمُعْتَزِلَةِ فِي هَذَا الْبَابِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ مَقَامُ بَحْثٍ مُهِمٍّ وَذَلِكَ لِأَنَّ حُصُولَ الْمُلْكِ لِلظَّالِمِ، إِمَّا أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ وَقَعَ لَا عَنْ فَاعِلٍ وَإِنَّمَا حَصَلَ بِفِعْلِ ذَلِكَ الْمُتَغَلِّبِ، أَوْ إِنَّمَا حَصَلَ بِالْأَسْبَابِ الرَّبَّانِيَّةِ، وَالْأَوَّلُ: نَفْيٌ لِلصَّانِعِ وَالثَّانِي: بَاطِلٌ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُرِيدُ تَحْصِيلَ الْمُلْكِ وَالدَّوْلَةِ لِنَفْسِهِ، وَلَا يَتَيَسَّرُ لَهُ الْبَتَّةَ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ مُلْكَ الظَّالِمِينَ إِنَّمَا حَصَلَ بِإِيتَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا الْكَلَامُ ظَاهِرٌ وَمِمَّا يُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَكُونُ بِحَيْثُ تَهَابُهُ النُّفُوسُ، وَتَمِيلُ إِلَيْهِ الْقُلُوبُ، وَيَكُونُ النَّصْرُ قَرِينًا لَهُ وَالظَّفَرُ جَلِيسًا مَعَهُ فَأَيْنَمَا تَوَجَّهَ حَصَلَ مَقْصُودُهُ، وَقَدْ يَكُونُ عَلَى الضِّدِّ مِنْ ذَلِكَ، وَمَنْ تَأَمَّلَ فِي كَيْفِيَّةِ أَحْوَالِ الْمُلُوكِ/ اضْطُرَّ إِلَى الْعِلْمِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ إِلَّا بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِذَلِكَ قَالَ حَكِيمُ الشُّعَرَاءِ:

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 8  صفحه : 188
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست