responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 80
أَنَّا خَالَفْنَا هَذَا الظَّاهِرَ وَأَدْخَلْنَا سَائِرَ الْكُفَّارِ فِيهِ، لَكِنَّهُ يَبْقَى عَلَى ظَاهِرِهِ فِي صَاحِبِ الْكَبِيرَةِ فَتَأَمَّلْ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، وَذَلِكَ أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ صَاحِبَ الْكَبِيرَةِ إِذَا كَانَ مُؤْمِنًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ يَجُوزُ فِي حَقِّهِ أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ عَنْهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُعَاقِبَهُ اللَّهُ وَأَمْرُهُ فِي الْبَابَيْنِ مُوكَلٌ إِلَى اللَّهِ، ثُمَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يُعَاقِبَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُدُ فِي النَّارِ بَلْ يُخْرِجُهُ مِنْهَا، وَاللَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ صِحَّةَ هَذَا الْمَذْهَبِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ بِقَوْلِهِ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ عَلَى جَوَازِ الْعَفْوِ فِي حَقِّ صَاحِبِ الْكَبِيرَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ.
ثُمَّ قوله فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بِتَقْدِيرِ أَنْ يُدْخِلَهُ اللَّهُ النَّارَ لَكِنَّهُ لَا يُخَلِّدُهُ فِيهَا لِأَنَّ الْخُلُودَ مُخْتَصٌّ بِالْكُفَّارِ لَا بِأَهْلِ الْإِيمَانِ، وَهَذَا بَيَانٌ شريف وتفسير حسن.

[سورة البقرة (2) : آية 276]
يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)
[في قَوْلُهُ تَعَالَى يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَالَغَ فِي الزَّجْرِ عَنِ الرِّبَا، وَكَانَ قَدْ بَالَغَ فِي الْآيَاتِ المتقدمة في الأمر بالصدقات، ذكر هاهنا مَا يَجْرِي مَجْرَى الدُّعَاءِ إِلَى تَرْكِ الصَّدَقَاتِ وَفِعْلِ الرِّبَا، وَكَشَفَ عَنْ فَسَادِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الدَّاعِيَ إِلَى فِعْلِ الرِّبَا تَحْصِيلُ الْمَزِيدِ فِي الْخَيْرَاتِ، وَالصَّارِفَ عَنِ الصَّدَقَاتِ الِاحْتِرَازُ عَنْ نُقْصَانِ الْخَيْرِ فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الرِّبَا وَإِنْ كَانَ زِيَادَةٍ فِي الْحَالِ، إِلَّا أَنَّهُ نُقْصَانٌ فِي الْحَقِيقَةِ، وَأَنَّ الصَّدَقَةَ وَإِنْ كَانَتْ نُقْصَانًا فِي الصُّورَةِ، إِلَّا أَنَّهَا زِيَادَةٌ فِي الْمَعْنَى، وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ كَانَ اللَّائِقُ بِالْعَاقِلِ أَنْ لَا يَلْتَفِتَ إِلَى مَا يَقْضِي بِهِ الطَّبْعُ وَالْحِسُّ مِنَ الدَّوَاعِي وَالصَّوَارِفِ، بَلْ يُعَوِّلُ عَلَى مَا نَدَبَهُ الشَّرْعُ إِلَيْهِ مِنَ الدَّوَاعِي وَالصَّوَارِفِ فَهَذَا وَجْهُ النَّظْمِ وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْمَحْقُ نُقْصَانُ الشَّيْءِ حَالًا بَعْدَ حَالٍ، وَمِنْهُ الْمَحَاقُ فِي الْهِلَالِ يُقَالُ: مَحَقَهُ اللَّهُ فانمحق وامتحق، ويقال: هجير ما حق إِذَا نَقَصَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَرَارَتِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: اعْلَمْ أَنَّ مَحْقَ الرِّبَا وَإِرْبَاءَ الصَّدَقَاتِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنْ يَكُونَ فِي الْآخِرَةِ، أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَنَقُولُ: مَحْقُ الرِّبَا فِي الدُّنْيَا مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّ الْغَالِبَ فِي الْمُرَابِي وَإِنْ كَثُرَ مَالُهُ أَنَّهُ تؤل عَاقِبَتُهُ إِلَى الْفَقْرِ، وَتَزُولُ الْبَرَكَةُ عَنْ مَالِهِ،
قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الرِّبَا وَإِنْ كَثُرَ فَإِلَى قُلٍّ»
وَثَانِيهَا: إِنْ لَمْ يَنْقُصْ مَالُهُ فَإِنَّ عَاقِبَتَهُ الذَّمُّ، وَالنَّقْصُ، وَسُقُوطُ الْعَدَالَةِ، وَزَوَالُ الْأَمَانَةِ، وَحُصُولُ اسْمِ الْفِسْقِ وَالْقَسْوَةِ وَالْغِلْظَةِ وَثَالِثُهَا: أَنَّ الْفُقَرَاءَ الَّذِينَ يُشَاهِدُونَ أَنَّهُ أَخَذَ أَمْوَالَهُمْ بِسَبَبِ الرِّبَا يَلْعَنُونَهُ وَيُبْغِضُونَهُ وَيَدْعُونَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ يَكُونُ سَبَبًا لِزَوَالِ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ عَنْهُ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَرَابِعُهَا: أَنَّهُ مَتَى اشْتُهِرَ بَيْنَ الْخَلْقِ أَنَّهُ إِنَّمَا جَمَعَ مَالَهُ مِنَ الرِّبَا تَوَجَّهَتْ إِلَيْه الْأَطْمَاعُ، وَقَصَدَهُ كُلُّ ظَالِمٍ وَمَارِقٍ وَطَمَّاعٍ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ ذَلِكَ الْمَالَ لَيْسَ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ فَلَا يُتْرَكُ فِي يَدِهِ، وَأَمَّا أَنَّ الرِّبَا سَبَبٌ لِلْمَحْقِ فِي الْآخِرَةِ فَلِوُجُوهٍ الْأَوَّلُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَعْنَى هَذَا الْمَحْقِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ مِنْهُ صَدَقَةً وَلَا جِهَادًا، وَلَا حَجًّا، وَلَا صِلَةَ رَحِمٍ وَثَانِيهَا: أَنَّ مَالَ الدُّنْيَا لَا يَبْقَى عِنْدَ الْمَوْتِ، وَيَبْقَى التَّبِعَةُ وَالْعُقُوبَةُ، وَذَلِكَ هُوَ الْخَسَارُ الْأَكْبَرُ وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَغْنِيَاءَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بَعْدَ الْفُقَرَاءِ بِخَمْسِمِائَةِ عَامٍ، فَإِذَا كَانَ الْغَنِيُّ مِنَ الْوَجْهِ الْحَلَالِ كَذَلِكَ، فَمَا ظَنُّكَ بِالْغَنِيِّ مِنَ الْوَجْهِ الْحَرَامِ الْمَقْطُوعِ بِحُرْمَتِهِ كَيْفَ يَكُونُ، فذلك هو المحق والنقصان.
وأما أرباب الصَّدَقَاتِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فِي الدُّنْيَا، وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فِي الْآخِرَةِ.
أَمَّا فِي الدُّنْيَا فَمِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّ مَنْ كَانَ اللَّهُ لَهُ، فَإِذَا كَانَ الْإِنْسَانُ مَعَ فَقْرِهِ وَحَاجَتِهِ يُحْسِنُ إِلَى

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 80
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست