responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 78
الرِّبا
ذَكَرَهُ الْكُفَّارُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِبْعَادِ، وَأَمَّا/ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ فَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْكُفَّارِ انْقَطَعَ عِنْدَ قَوْلِهِ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وأما قوله أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى وَنَصُّهُ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ ذَكَرَهُ إِبْطَالًا لِقَوْلِ الْكُفَّارِ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا، وَالْحُجَّةُ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ وُجُوهٌ.
الْحُجَّةُ الْأُولَى: أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: هَذَا كَلَامُ الْكُفَّارِ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِإِضْمَارِ زِيَادَاتٍ بِأَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ، أَوْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى الرِّوَايَةِ مِنْ قَوْلِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِضْمَارَ خِلَافُ الْأَصْلِ، وَأَمَّا إِذَا جَعَلْنَاهُ كَلَامَ اللَّهِ ابْتِدَاءً لَمْ يُحْتَجْ فِيهِ إِلَى هَذَا الْإِضْمَارِ، فَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى.
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَبَدًا كَانُوا مُتَمَسِّكِينَ فِي جَمِيعِ مَسَائِلِ الْبَيْعِ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَلَوْلَا أَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ ذَلِكَ كَلَامُ اللَّهِ لَا كَلَامُ الْكُفَّارِ، وَإِلَّا لَمَا جَازَ لَهُمْ أَنْ يَسْتَدِلُّوا بِهِ، وَفِي هَذِهِ الْحُجَّةِ كَلَامٌ سَيَأْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ.
الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ عَقِيبَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ قَوْلَهُ فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ فَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ لَمَّا تَمَسَّكُوا بِتِلْكَ الشُّبْهَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا فَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ كَشَفَ عَنْ فَسَادِ تِلْكَ الشُّبْهَةِ وَعَنْ ضَعْفِهَا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا كَلَامَ اللَّهِ لَمْ يَكُنْ جَوَابُ تلك الشبهة مذكورا فلم يكن قوله فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَائِقًا بِهَذَا الْمَوْضِعِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ قَوْلَهُ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا مِنَ الْمُجْمَلَاتِ الَّتِي لَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِهَا، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدِي، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: أَنَّا بَيَّنَّا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الِاسْمَ الْمُفْرَدَ الْمُحَلَّى بِلَامِ التَّعْرِيفِ لَا يُفِيدُ الْعُمُومَ الْبَتَّةَ، بَلْ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا تَعْرِيفُ الْمَاهِيَّةِ، وَمَتَى كَانَ كَذَلِكَ كَفَى الْعَمَلُ بِهِ فِي ثُبُوتِ حُكْمِهِ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّا إِذَا سَلَّمْنَا أَنَّهُ يُفِيدُ الْعُمُومَ، وَلَكِنَّا لَا نَشُكُّ أَنَّ إِفَادَتَهُ الْعُمُومَ أَضْعَفُ مِنْ إِفَادَةِ أَلْفَاظِ الْجَمْعِ لِلْعُمُومِ، مَثَلًا قَوْلُهُ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَإِنْ أَفَادَ الِاسْتِغْرَاقَ إِلَّا أَنَّ قَوْلَهُ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَاتِ أَقْوَى فِي إِفَادَةِ الِاسْتِغْرَاقِ، فَثَبَتَ أَنَّ قَوْلَهُ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ لَا يُفِيدُ الِاسْتِغْرَاقَ إِلَّا إِفَادَةً ضَعِيفَةً، ثُمَّ تَقْدِيرُ الْعُمُومِ لَا بُدَّ وَأَنْ يطرق إِلَيْهَا تَخْصِيصَاتٌ كَثِيرَةٌ خَارِجَةٌ عَنِ الْحَصْرِ وَالضَّبْطِ، وَمِثْلُ هَذَا الْعُمُومِ لَا يَلِيقُ بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَلَامِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّهُ كَذِبٌ وَالْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ، فَأَمَّا الْعَامُّ الَّذِي يَكُونُ مَوْضِعُ التَّخْصِيصِ مِنْهُ قَلِيلًا جِدًّا فَذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّ إِطْلَاقَ لَفْظِ الِاسْتِغْرَاقِ عَلَى الْأَغْلَبِ عُرْفٌ مَشْهُورٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، فَثَبَتَ أَنَّ حَمْلَ هَذَا عَلَى الْعُمُومِ غَيْرُ جَائِزٍ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ/ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا سَأَلْنَاهُ عَنِ الرِّبَا، وَلَوْ كَانَ هَذَا اللَّفْظُ مُفِيدًا لِلْعُمُومِ لَمَا قَالَ ذَلِكَ فَعَلِمْنَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مِنَ الْمُجْمَلَاتِ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ قَوْلَهُ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ بَيْعٍ حَلَالًا، وَقَوْلُهُ وَحَرَّمَ الرِّبا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كُلُّ رِبًا حَرَامًا، لِأَنَّ الرِّبَا هُوَ الزِّيَادَةُ وَلَا بَيْعَ إِلَّا وَيُقْصَدُ بِهِ الزِّيَادَةُ، فَأَوَّلُ الْآيَةِ أَبَاحَ جَمِيعَ الْبُيُوعِ، وَآخِرُهَا حَرَّمَ الْجَمِيعَ، فَلَا يُعْرَفُ الْحَلَالُ مِنَ الْحَرَامِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، فَكَانَتْ مُجْمَلَةً، فَوَجَبَ الرُّجُوعُ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ إِلَى بَيَانِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 78
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست