responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 68
حَصَرُوا أَنْفُسَهُمْ وَوَقَفُوهَا عَلَى الْجِهَادِ، وَأَنَّ قَوْلَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مُخْتَصٌّ بِالْجِهَادِ فِي عُرْفِ الْقُرْآنِ، وَلِأَنَّ الْجِهَادَ كَانَ وَاجِبًا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَكَانَ تَشْتَدُّ الْحَاجَةُ إِلَى مَنْ يَحْبِسُ نَفْسَهُ لِلْمُجَاهَدَةِ مَعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَكُونُ مُسْتَعِدًّا لِذَلِكَ، مَتَى مَسَّتِ الْحَاجَةُ، فَبَيَّنَ تَعَالَى فِي هَؤُلَاءِ الْفُقَرَاءِ أَنَّهُمْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَمَنْ هَذَا حَالُهُ يَكُونُ وَضْعُ الصَّدَقَةِ فِيهِمْ يُفِيدُ وُجُوهًا مِنَ الْخَيْرِ أَحَدُهَا: إِزَالَةُ عَيْلَتِهِمْ وَالثَّانِي: تَقْوِيَةُ قَلْبِهِمْ لِمَا انْتَصَبُوا إِلَيْهِ وَثَالِثُهَا: تَقْوِيَةُ الْإِسْلَامِ بِتَقْوِيَةِ الْمُجَاهِدِينَ وَرَابِعُهَا: أَنَّهُمْ كَانُوا مُحْتَاجِينَ جِدًّا مَعَ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُظْهِرُونَ حَاجَتَهُمْ، عَلَى مَا قَالَ تَعَالَى:
لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ وَابْنِ زَيْدٍ: مَنَعُوا أَنْفُسَهُمْ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ فِي التِّجَارَةِ لِلْمَعَاشِ خَوْفَ الْعَدُوِّ مِنَ الْكُفَّارِ لِأَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا مُجْتَمِعِينَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ، وَكَانُوا مَتَى وَجَدُوهُمْ قَتَلُوهُمْ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَاخْتِيَارُ الْكِسَائِيِّ: أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ أَصَابَتْهُمْ جِرَاحَاتٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَارُوا زَمْنَى، فَأَحْصَرَهُمُ الْمَرَضُ وَالزَّمَانَةُ عَنِ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ.
وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ حَبَسَهُمُ الْفَقْرُ عَنِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَعَذَرَهُمُ اللَّهُ.
وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ: هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَانُوا مُشْتَغِلِينَ بِذِكْرِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ وَعُبُودِيَّتِهِ، وَكَانَتْ شِدَّةُ اسْتِغْرَاقِهِمْ فِي تِلْكَ الطَّاعَةِ أَحْصَرَتْهُمْ عَنِ الِاشْتِغَالِ بِسَائِرِ الْمُهِمَّاتِ.
الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ لِهَؤُلَاءِ الْفُقَرَاءِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يُقَالُ ضَرَبْتُ فِي الْأَرْضِ ضَرْبًا إِذَا سِرْتَ فِيهَا، ثُمَّ عَدَمُ الِاسْتِطَاعَةِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِأَنَّ اشْتِغَالَهُمْ بِصَلَاحِ الدِّينِ وَبِأَمْرِ الْجِهَادِ، يَمْنَعُهُمْ مِنَ الِاشْتِغَالِ بِالْكَسْبِ وَالتِّجَارَةِ، وَإِمَّا لِأَنَّ خَوْفَهُمْ مِنَ الْأَعْدَاءِ يَمْنَعُهُمْ مِنَ السَّفَرِ، وَإِمَّا لِأَنَّ مَرَضَهُمْ وَعَجْزَهُمْ يَمْنَعُهُمْ مِنْهُ، وَعَلَى جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَلَا شَكَّ فِي شِدَّةِ احْتِيَاجِهِمْ إِلَى مَنْ يَكُونُ مُعِينًا لَهُمْ عَلَى مُهِمَّاتِهِمْ.
الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ لَهُمْ: قَوْلُهُ تَعَالَى: يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ عَاصِمٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ يَحْسَبُهُمُ بِفَتْحِ السِّينِ وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا وَهُمَا اللَّتَانِ بِمَعْنَى وَاحِدٍ، وَقُرِئَ فِي الْقُرْآنِ مَا كَانَ مِنَ الْحُسْبَانِ بِاللُّغَتَيْنِ جَمِيعًا الْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَالْفَتْحُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ أَقْيَسُ، لِأَنَّ الْمَاضِيَ إِذَا كَانَ عَلَى فَعِلَ، نَحْوُ حَسِبَ كَانَ الْمُضَارِعُ عَلَى يَفْعَلُ، مِثْلُ فَرِقَ يَفْرَقُ وَشَرِبَ يَشْرَبُ، وَشَذَّ حَسِبَ يَحْسِبُ فَجَاءَ عَلَى يَفْعِلُ مَعَ كَلِمَاتٍ أُخَرَ، وَالْكَسْرُ حَسَنٌ لِمَجِيءِ السَّمْعِ بِهِ وَإِنْ كَانَ شَاذًّا عَنِ الْقِيَاسِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْحُسْبَانُ هُوَ الظَّنُّ، وَقَوْلُهُ الْجاهِلُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْجَهْلَ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْعَقْلِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْجَهْلَ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الِاخْتِبَارِ، يَقُولُ: يَحْسَبُهُمْ مَنْ لَمْ يَخْتَبِرْ أَمْرَهُمْ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ، وَهُوَ تَفَعُّلٌ مِنَ الْعِفَّةِ وَمَعْنَى الْعِفَّةِ فِي اللُّغَةِ تَرْكُ الشَّيْءِ وَالْكَفُّ عَنْهُ وَأَرَادَ مِنَ التَّعَفُّفِ عَنِ السُّؤَالِ فَتَرَكَهُ لِلْعِلْمِ، وَإِنَّمَا يَحْسَبُهُمْ أَغْنِيَاءَ لِإِظْهَارِهِمُ التَّجَمُّلَ وَتَرْكِهِمُ الْمَسْأَلَةَ.
الصِّفَةُ الرَّابِعَةُ لِهَؤُلَاءِ الْفُقَرَاءِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ السِّيمَا وَالسِّيمِيَا الْعَلَامَةُ الَّتِي يُعْرَفُ بِهَا الشَّيْءُ، وَأَصْلُهَا مِنَ السِّمَةِ الَّتِي هِيَ الْعَلَامَةُ، قُلِبَتِ الْوَاوُ إِلَى مَوْضِعِ الْعَيْنِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وزنه يكون فعلا، كَمَا قَالُوا: لَهُ جَاهٌ عِنْدَ النَّاسِ أَيْ وَجْهٌ، وَقَالَ قَوْمٌ: السِّيمَا الِارْتِفَاعُ لِأَنَّهَا عَلَامَةٌ وُضِعَتْ لِلظُّهُورِ، قَالَ مُجَاهِدٌ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 68
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست