responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 56
الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً وَهِيَ الْإِيعَادُ بِالشَّرِّ، وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً وَهِيَ الْوَعْدُ بِالْخَيْرِ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ وَمِنْ وَجَدَ الْأَوَّلَ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ وَرَوَى الْحَسَنُ، قَالَ بَعْضُ الْمُهَاجِرِينَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَعْلَمَ مَكَانَ الشَّيْطَانِ مِنْهُ فَلْيَتَأَمَّلْ مَوْضِعَهُ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي مِنْهُ يَجِدُ الرَّغْبَةَ فِي فِعْلِ الْمُنْكَرِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ فَفِيهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْفَحْشَاءَ هِيَ الْبُخْلُ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ أَيْ وَيُغْرِيكُمْ عَلَى الْبُخْلِ إِغْرَاءَ الْآمِرِ لِلْمَأْمُورِ وَالْفَاحِشُ عِنْدَ الْعَرَبِ الْبَخِيلُ، قَالَ طَرَفَةُ:
/ أَرَى الْمَوْتَ يَعْتَامُ الْكِرَامَ وَيَصْطَفِي ... عَقِيلَةَ مَالِ الْفَاحِشِ الْمُتَشَدِّدِ
وَيَعْتَامُ مَنْقُولٌ مَنْ عَامَ فُلَانٌ إِلَى اللَّبَنِ إِذَا اشْتَهَاهُ وَأَرَادَ بِالْفَاحِشِ الْبَخِيلَ، قَالَ تَعَالَى: وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [الْعَادِيَاتِ: 8] وَقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى لَطِيفَةٍ وَهِيَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يُخَوِّفُهُ أَوَّلًا بِالْفَقْرِ ثُمَّ يَتَوَصَّلُ بِهَذَا التَّخْوِيفِ إِلَى أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْفَحْشَاءِ وَيُغْرِيَهُ بِالْبُخْلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبُخْلَ صِفَةٌ مَذْمُومَةٌ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ فَالشَّيْطَانُ لَا يُمْكِنُهُ تَحْسِينُ الْبُخْلِ فِي عَيْنِهِ إِلَّا بِتَقْدِيمِ تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ، وَهِيَ التَّخْوِيفُ مِنَ الْفَقْرِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: فِي تَفْسِيرِ الْفَحْشَاءِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَقُولُ: لَا تُنْفِقِ الْجَيِّدَ مِنْ مَالِكَ فِي طَاعَةِ اللَّهِ لِئَلَّا تَصِيرَ فَقِيرًا، فَإِذَا أَطَاعَ الرَّجُلُ الشَّيْطَانَ فِي ذَلِكَ زَادَ الشَّيْطَانُ، فَيَمْنَعُهُ مِنَ الْإِنْفَاقِ فِي الْكُلِّيَّةِ حَتَّى لَا يُعْطِيَ لَا الْجَيِّدَ وَلَا الرَّدِيءَ وَحَتَّى يَمْنَعَ الْحُقُوقَ الْوَاجِبَةَ، فَلَا يُؤَدِّي الزَّكَاةَ وَلَا يَصِلُ الرَّحِمَ وَلَا يَرُدُّ الْوَدِيعَةَ، فَإِذَا صَارَ هَكَذَا سَقَطَ وَقْعُ الذُّنُوبِ عَنْ قَلْبِهِ وَيَصِيرُ غَيْرَ مُبَالٍ بِارْتِكَابِهَا، وَهُنَاكَ يَتَّسِعُ الْخَرْقُ وَيَصِيرُ مِقْدَامًا عَلَى كُلِّ الذُّنُوبِ، وَذَلِكَ هُوَ الْفَحْشَاءُ وَتَحْقِيقُهُ أَنْ لِكُلِّ خَلْقٍ طَرَفَيْنِ وَوَسَطًا فَالطَّرَفُ الْكَامِلُ هُوَ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ يَبْذُلُ كُلَّ مَا يَمْلِكُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْجَيِّدَ وَالرَّدِيءَ وَالطَّرَفُ الْفَاحِشُ النَّاقِصُ لَا يُنْفِقُ شَيْئًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا الْجَيِّدَ وَلَا الرَّدِيءَ وَالْأَمْرُ الْمُتَوَسِّطُ أَنْ يَبْخَلَ بِالْجَيِّدِ وَيُنْفِقَ الرَّدِيءَ، فَالشَّيْطَانُ إِذَا أَرَادَ نَقْلَهُ مِنَ الطَّرَفِ الْفَاضِلِ إِلَى الطَّرَفِ الْفَاحِشِ، لَا يُمْكِنُهُ إِلَّا بِأَنْ يَجُرَّهُ إِلَى الْوَسَطِ، فَإِنْ عَصَى الْإِنْسَانُ الشَّيْطَانَ فِي هَذَا الْمَقَامِ انْقَطَعَ طَمَعُهُ عَنْهُ، وَإِنْ أَطَاعَهُ فِيهِ طَمِعَ فِي أَنْ يَجُرَّهُ مِنَ الْوَسَطِ إِلَى الطَّرَفِ الْفَاحِشِ، فَالْوَسَطُ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَالطَّرْفُ الْفَاحِشُ قَوْلُهُ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دَرَجَاتِ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ أَرْدَفَهَا بِذِكْرِ إِلْهَامَاتِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا فَالْمَغْفِرَةُ إِشَارَةٌ إِلَى مَنَافِعِ الْآخِرَةِ، وَالْفَضْلُ إِشَارَةٌ إِلَى مَا يَحْصُلُ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْخَلْقِ،
وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمَلَكَ يُنَادِي كُلَّ لَيْلَةٍ «اللَّهُمَّ أَعْطِ كُلَّ مُنْفِقٍ خَلَفًا وَكُلَّ مُمْسِكٍ تَلَفًا» .
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ لَطِيفَةٌ وَهِيَ أَنَّ الشَّيْطَانَ يَعِدُكَ الْفَقْرَ فِي غَدِ دُنْيَاكَ، وَالرَّحْمَنُ يَعِدُكَ الْمَغْفِرَةَ فِي غَدِ عُقْبَاكَ، وَوَعْدُ الرَّحْمَنِ فِي غَدِ الْعُقْبَى أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: أَنَّ وِجْدَانَ غَدِ الدُّنْيَا مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَوِجْدَانَ غَدِ الْعُقْبَى مُتَيَقِّنٌ مَقْطُوعٌ بِهِ وَثَانِيهَا: أَنَّ بِتَقْدِيرِ وِجْدَانِ غَدِ الدُّنْيَا، فَقَدْ يَبْقَى الْمَالُ الْمَبْخُولُ بِهِ، وَقَدْ لَا يَبْقَى وَعِنْدَ وِجْدَانِ غَدِ الْعُقْبَى لَا بُدَّ مِنْ وِجْدَانِ الْمَغْفِرَةِ الْمَوْعُودِ بِهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّهُ الصَّادِقُ الَّذِي يَمْتَنِعُ وُجُودُ الْكَذِبِ فِي كَلَامِهِ وَثَالِثُهَا: أَنَّ بِتَقْدِيرِ بَقَاءِ الْمَالِ الْمَبْخُولِ بِهِ فِي غَدِ الدُّنْيَا، فَقَدْ يَتَمَكَّنُ الْإِنْسَانُ مِنَ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَقَدْ لَا يَتَمَكَّنُ إِمَّا بِسَبَبِ خَوْفٍ أَوْ مَرَضٍ أَوِ اشْتِغَالٍ بِمُهِمٍّ آخَرَ وَعِنْدَ وِجْدَانِ غَدِ الْعُقْبَى الِانْتِفَاعُ حَاصِلٌ بِمَغْفِرَةِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ وَرَابِعُهَا: أَنَّ بِتَقْدِيرِ حُصُولِ الِانْتِفَاعِ بِالْمَالِ الْمَبْخُولِ بِهِ في غَدِ الدُّنْيَا لَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ الِانْتِفَاعَ/ يَنْقَطِعُ وَلَا يَبْقَى، وَأَمَّا الِانْتِفَاعُ بِمَغْفِرَةِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ فَهُوَ الْبَاقِي الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ وَلَا يَزُولُ، وَخَامِسُهَا: أَنَّ

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 56
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست