responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 142
الْوَجْهُ الثَّانِي: لَوْ كَانَ الْقُرْآنُ مُحْكَمًا بِالْكُلِّيَّةِ لَمَا كَانَ مُطَابِقًا إِلَّا لِمَذْهَبٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ تَصْرِيحُهُ مُبْطِلًا لِكُلِّ مَا سِوَى ذَلِكَ الْمَذْهَبِ، وَذَلِكَ مِمَّا يُنَفِّرُ أَرْبَابَ الْمَذَاهِبِ عَنْ قَبُولِهِ وَعَنِ النَّظَرِ فِيهِ، فَالِانْتِفَاعُ بِهِ إِنَّمَا حَصَلَ لَمَّا كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى الْمُحْكَمِ وَعَلَى الْمُتَشَابِهِ، فَحِينَئِذٍ يَطْمَعُ صَاحِبُ كُلِّ مَذْهَبٍ أَنْ يَجِدَ فِيهِ مَا يُقَوِّي مَذْهَبَهُ، وَيُؤْثِرُ مَقَالَتَهُ، فَحِينَئِذٍ يَنْظُرُ فِيهِ جَمِيعُ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ، وَيَجْتَهِدُ فِي التَّأَمُّلِ فِيهِ كُلُّ صَاحِبِ مَذْهَبٍ، فَإِذَا بَالَغُوا فِي ذَلِكَ صَارَتِ الْمُحْكَمَاتُ مُفَسِّرَةً لِلْمُتَشَابِهَاتِ، فَبِهَذَا الطَّرِيقِ يَتَخَلَّصُ الْمُبْطِلُ عَنْ بَاطِلِهِ وَيَصِلُ إِلَى الْحَقِّ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْقُرْآنَ إِذَا كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ افْتَقَرَ النَّاظِرُ فِيهِ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ، وَحِينَئِذٍ يَتَخَلَّصُ عَنْ ظُلْمَةِ التَّقْلِيدِ، وَيَصِلُ إِلَى ضِيَاءِ الِاسْتِدْلَالِ وَالْبَيِّنَةِ، أَمَّا لَوْ كَانَ كُلُّهُ مُحْكَمًا لَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى التَّمَسُّكِ بِالدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ فَحِينَئِذٍ كَانَ يَبْقَى فِي الْجَهْلِ وَالتَّقْلِيدِ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: لَمَّا كَانَ الْقُرْآنُ مُشْتَمِلًا عَلَى الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ، افْتَقَرُوا إِلَى تَعَلُّمِ طُرُقِ التَّأْوِيلَاتِ وَتَرْجِيحِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ، وَافْتَقَرَ تَعَلُّمُ ذَلِكَ إِلَى تَحْصِيلِ عُلُومٍ كَثِيرَةٍ مِنْ عِلْمِ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ وَعِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ مَا كَانَ يَحْتَاجُ الْإِنْسَانُ إِلَى تَحْصِيلِ هَذِهِ الْعُلُومِ الْكَثِيرَةِ، فَكَانَ إِيرَادُ هَذِهِ الْمُتَشَابِهَاتِ لِأَجْلِ هَذِهِ الْفَوَائِدِ الْكَثِيرَةِ.
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: وَهُوَ السَّبَبُ الْأَقْوَى فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْقُرْآنَ كِتَابٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى دَعْوَةِ الْخَوَاصِّ وَالْعَوَامِّ بِالْكُلِّيَّةِ، وَطَبَائِعُ الْعَوَامِّ تَنْبُو فِي أَكْثَرِ الْأَمْرِ عَنْ إِدْرَاكِ الْحَقَائِقِ، فَمَنْ سَمِعَ مِنَ الْعَوَامِّ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ إِثْبَاتَ مَوْجُودٍ لَيْسَ بِجِسْمٍ وَلَا بِمُتَحَيِّزٍ وَلَا مُشَارٍ إِلَيْهِ، ظَنَّ أَنَّ هَذَا عَدَمٌ وَنَفْيٌ فَوَقَعَ فِي التَّعْطِيلِ، فَكَانَ الْأَصْلَحُ أَنْ يُخَاطَبُوا بِأَلْفَاظٍ دَالَّةٍ عَلَى بَعْضِ مَا يُنَاسِبُ مَا يَتَوَهَّمُونَهُ وَيَتَخَيَّلُونَهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مَخْلُوطًا بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْحَقِّ الصَّرِيحِ، فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الَّذِي يُخَاطَبُونَ بِهِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ يَكُونُ مِنْ بَابِ الْمُتَشَابِهَاتِ، وَالْقِسْمُ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي يُكْشَفُ لَهُمْ فِي آخِرِ الْأَمْرِ هُوَ الْمُحْكَمَاتُ، فَهَذَا مَا حَضَرَنَا فِي هَذَا الْبَابِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ.
وَإِذَا عَرَفْتَ هَذِهِ الْمَبَاحِثَ فَلْنَرْجِعْ إِلَى التَّفْسِيرِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ فَالْمُرَادُ بِهِ هُوَ الْقُرْآنُ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ وَهِيَ الَّتِي يَكُونُ مَدْلُولَاتُهَا مُتَأَكَّدَةً إِمَّا بِالدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ الْقَاطِعَةِ وَذَلِكَ فِي الْمَسَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ، أَوْ يَكُونُ مَدْلُولَاتُهَا خَالِيَةً عَنْ مُعَارَضَاتٍ أَقْوَى مِنْهَا.
ثُمَّ قَالَ: هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَفِيهِ سُؤَالَانِ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: مَا مَعْنَى كَوْنِ الْمُحْكَمِ أُمًّا لِلْمُتَشَابِهِ؟
الْجَوَابُ: الْأُمُّ فِي حَقِيقَةِ اللُّغَةِ الْأَصْلُ الَّذِي مِنْهُ يَكُونُ الشَّيْءُ، فَلَمَّا كَانَتِ الْمُحْكَمَاتُ مَفْهُومَةً بِذَوَاتِهَا، وَالْمُتَشَابِهَاتُ إِنَّمَا تَصِيرُ مَفْهُومَةً بِإِعَانَةِ الْمُحْكَمَاتِ، لَا جَرَمَ صَارَتِ الْمُحْكَمَاتُ كَالْأُمِّ للمتشابهات وقيل: أن ما ثَبَتَتْ إِلَى أَنْ يَبْعَثَهَا، فَعَبَّرَ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِلَفْظِ الْأَبِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْأَبَ هُوَ الَّذِي حَصَلَ مِنْهُ تَكْوِينُ الِابْنِ، ثُمَّ وَقَعَ فِي التَّرْجَمَةِ مَا أَوْهَمَ الْأُبُوَّةَ الْوَاقِعَةَ مِنْ جِهَةِ الْوِلَادَةِ، فَكَانَ قَوْلُهُ مَا كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ [مَرْيَمَ: 35]

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 7  صفحه : 142
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست